رمضان في اليمن: معاناة اقتصادية وأمل في المستقبل
الرشاد برس | تقاريـــــــــــــــر
يحل شهر رمضان 2025 في بلادنا في وقت تتزايد فيه التحديات الاقتصادية والإنسانية، ويواجه فيه المواطنون صعوبات جمة في تأمين احتياجاتهم الأساسية بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية . ويعاني اليمنيون من غلاء الأسعار بشكل غير مسبوق، وتدهور مستمر في قيمة العملة المحلية، مما يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي في وقت تواصل فيه الحرب تأثيراتها السلبية على حياة الناس اليومية.
الأزمة الاقتصادية وتداعياتها
تستمر الأزمة الاقتصادية في التأثير بشكل ملحوظ على حياة المواطنين في اليمن. فالعملة المحلية، الريال اليمني، تشهد تراجعًا مستمرًا أمام الدولار الأمريكي، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية. ووفقًا لتقارير اقتصادية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمنتجات الأساسية بنسبة تتجاوز 100% خلال العام الماضي، مما زاد من معاناة المواطنين وأدى إلى تآكل القدرة الشرائية.
وفي ظل غياب الرواتب منذ سنوات للموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية ، يعاني العديد من الأسر من ضائقة معيشية خانقة. ورغم هذه الظروف الصعبة، يتكيف الكثير من الأسر مع الوضع القائم من خلال تقليص نفقاتهم اليومية واعتماد أساليب تقليدية لتلبية احتياجاتهم الرمضانية.
تداعيات الإنقلاب
يُعد دور جماعة الحوثي جزءًا رئيسيًا في تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في اليمن. فمنذ سيطرتهم على العديد من المناطق، تأثرت القطاعات الاقتصادية بشكل ملحوظ. فقد أدت بعض السياسات إلى إغلاق العديد من الشركات والمصانع، مما أسهم في تراجع الإنتاج المحلي وارتفاع معدلات البطالة. كما تسببت الحرب في تدمير جزء كبير من البنية التحتية، ما ضاعف من معاناة السكان.
إضافة إلى ذلك، فرض الحوثيون ضرائب إضافية على المواطنين والتجار، مما يزيد من الأعباء المالية على الأسر الفقيرة والمتوسطة. وقد أسهمت هذه السياسات في تقليص فرص العمل وزيادة الضغط على الأسر التي لم تعد قادرة على تلبية احتياجاتها الأساسية.
ومع حلول شهر رمضان، تتفاقم المعاناة في ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق، وهو ما دفع العديد من الأسر إلى تقليص وجباتهم اليومية أو الاستغناء عن بعض المنتجات الأساسية. وفي هذا السياق، يقول الأستاذ: م.خ.ر، موظف تربوي: “نواجه أوضاعًا اقتصادية صعبة للغاية، خصوصًا مع تقليص الرواتب إلى نصف راتب، ما يجعل من الصعب تلبية احتياجاتنا الرمضانية”.
وأضاف م. خ. ر: “إن الموظفين هم الأكثر تأثرًا بهذه الأزمة التي امتدت لأكثر من عقد من الزمن”.
ويقول أ. ن.و، تاجر من الحديدة: إنه كان ينتظر شهر رمضان بفارغ الصبر لتعويض ما فاته من الخسائر طوال العام. ومع ذلك، لم يعد يعوّل على رمضان، باعتباره موسمًا يعود عليه بعائد كما كان الحال قبل الحرب. فالأسواق كلها تعاني من كساد شديد لدرجة أن الفارق بين العائد في رمضان وبقية الشهور أصبح ضئيلاً. ويعتبر ذلك أمرًا طبيعيًا، فمع غياب الرواتب، تراجعت فرص العمل بشكل كبير، وبالتالي تدهورت القدرة الشرائية.
ويضيف: “البقالات تعتمد بدرجة رئيسية على محدودي الدخل، وهؤلاء تأثروا بشكل كبير بالحرب، إذ فقدوا مصادر دخلهم”. ولكنه أشار إلى أن “اليمنيين، رغم كساد الأسواق، يعيشون أجواء رمضان معتمدين على تفاصيل بسيطة لا تتطلب مالاً كثيرًا، مثل توفير الحبوب من الأرياف، التي تساهم في تلبية احتياجاتهم الرمضانية من الخبز والشوربة، بالإضافة إلى تعلم الكثير من الأسر صناعة الزبادي وغيرها من الاحتياجات في المنازل”.
ورغم تراجع القدرة الشرائية التي أصبحت ملحوظة في أسواق الاحتياجات الرمضانية، إلا أن الأزمة الاقتصادية تبرز بشكل واضح في جميع مجالات العمل التجاري. فقد تراجعت أنشطة المشاريع التجارية بشكل كبير، وتوقف بعضها، بينما توقف آخرون عن العمل بشكل دوري.
ولم يقتصر تأثير الأزمة على الأسر الفقيرة فحسب، بل امتد أيضًا إلى الطبقة المتوسطة والتجار، الذين يعانون من تراجع حاد في الطلب بسبب ضعف القدرة الشرائية للمستهلكين.
ويقول “فاهم علي’، أحد تجار المواد الغذائية في تعز: “كان المستهلك يشتري كميات تكفي أسرته بشكل لائق، أما الآن فأنا أعرف زبائني جيدًا وأدرك أنهم يشترون ما يكفي لوجبة واحدة يوميًا بسبب عدم قدرتهم على تحمل التكلفة”. وأضاف أنه “رغم أن بعض الشركات لجأت إلى تقليص حجم عبوات المنتجات لتناسب القدرة الشرائية للمستهلكين، إلا أن ذلك لم يخفف من وطأة الأزمة”.
وانعكست الأزمة الاقتصادية على جميع جوانب الحياة في اليمن، حيث لم يعد بإمكان العديد من الأسر توفير الاحتياجات الأساسية لأطفالها، في حين ارتفعت معدلات الفقر والجوع بشكل غير مسبوق.
تحديات إنسانية
تواصل اليمن معاناتها الإنسانية في ظل الأزمة المستمرة، حيث تشير التقارير إلى أن أكثر من 21 مليون يمني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة. وقد تم إدراج اليمن ضمن الدول الأكثر تضررًا من الأزمات الإنسانية، في وقت يشهد فيه البلد تفشي الجوع والفقر بشكل غير مسبوق. ومع حلول شهر رمضان، تزداد صعوبة تأمين وجبات الطعام اليومية بسبب غلاء الأسعار، بينما تبقى الحلول السياسية بعيدة المنال.
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل الدور الذي لعبته المليشيا الحوثية في تعميق الأزمة الإنسانية. فقد فاقمت الحرب من دمار البنية التحتية وأعاقت جهود الإغاثة والمساعدات الإنسانية، ما جعل من الصعب الوصول إلى المناطق المتضررة. وعلى الرغم من الدعم الدولي، فإن الحوثيين يفرضون قيودًا على وصول المساعدات إلى بعض المناطق، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني.
الاستجابة المحلية والأمل في الحلول
رغم التحديات الكبيرة، يواصل اليمنيون التكيف مع الوضع من خلال تعزيز الزراعة المحلية وصناعة الحرف اليدوية لتوفير احتياجاتهم الأساسية. كما تسعى بعض المنظمات غير الحكومية إلى تقديم المساعدات للأسر المحتاجة، رغم الصعوبات التي تواجهها في الوصول إلى المناطق المتضررة.
وبينما يبقى الأمل في تحسن الوضع، يعوّل الكثيرون على أن تسهم الحلول السياسية في الوصول إلى تسوية شاملة تنهي الأزمة وتحقق الاستقرار. إن تحقيق اتفاق سياسي شامل يتطلب وحدة الصف الوطني تحت مظلة المرجعيات الثلاث والقرارات الدولية، وذلك من أجل تلبية احتياجات الشعب وإعادة بناء البلاد بشكل مستدام.
خاتمة
تستمر معاناة المواطنين مع دخول شهر رمضان في ظل الأوضاع الراهنة، حيث يواجه المواطنون صعوبة كبيرة في تأمين احتياجاتهم الأساسية نتيجة للأزمة الاقتصادية المستمرة. ولا شك أن استمرار الحرب يفاقم هذه الأزمة، إلا أن الأمل يبقى قائمًا في إيجاد حلول جذرية تساهم في إنهاء الإنقلاب وإعادة بناء اليمن وتحقيق الأمن والاستقرار