رمضان في تعز.. فرحة منقوصة تحت وطأة الحصار والحالة المعيشية الصعبة
الرشاد برس/تقرير
مع حلول اليوم الرابع من شهر رمضان المبارك، يعيش سكان مدينة تعز المحاصرة، التي تعاني من حصار حوثي خانق استمر لأكثر من عشر سنوات، واقعًا اقتصاديًا ومعيشيًا لا يحسدون عليه. فمع الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، أصبح الاستعداد لهذا الشهر الفضيل تحديًا بالغ الصعوبة، لاسيما في ظل الانهيار المستمر للعملة المحلية وتجاهل واضح لمعاناة المواطنين، مما يزيد من تفاقم الفقر والبطالة في المدينة.
رمضان قبل الحرب
في الأيام التي سبقت الانقلاب الحوثي، كانت مدينة تعز تعج بالحياة والبهجة، حيث كانت الأسواق تزخر بالحركة والمشترين الذين يسابقون الزمن لشراء مستلزماتهم الرمضانية دون أن يتأثروا بالغلاء. كانت العائلات تتنافس في إعداد موائد الإفطار، بما يعكس حالة من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. أما اليوم، فقد تبدلت الأمور بشكل جذري، فأصبح تحضير رمضان عبئًا اقتصاديًا يثقل كاهل المواطنين.
ركود غير مسبوق
في شوارع تعز، يسود الركود السوقي بصورة مريبة. المحلات التجارية التي كانت تعرف ازدحامًا لافتًا في السابق أصبحت اليوم شبه فارغة. المواطنون يتجولون بين المحلات والبسطات لتفقد الأسعار، ولكنهم ينسحبون غالبًا بخيبة أمل لعدم قدرتهم على شراء مستلزماتهم الأساسية. تقول فاطمة محمد، إحدى المقيمات في المدينة: “كان رمضان في الماضي يحمل بين طياته فرحة غير عادية، لكن اليوم أصبح شراء المواد الغذائية أمرًا شبه مستحيل للكثيرين.”
معاناة غير مسبوقة
عندما نتحدث عن معاناة الأسر في تعز، نجد أن التحدي الأكبر يتمثل في الارتفاع الجنوني للأسعار. يقول عبدالغني جلال، أحد سكان المدينة: “قبل الحرب، كنا نعيش رمضان بروحانية مختلفة، وكانت الأسعار مستقرة، وبدون مشاكل في تأمين احتياجاتنا. أما الآن، فأصبح شراء أبسط المستلزمات مثل التوابل أو الدقيق أمرًا مكلفًا جدًا.”
وتضاف إلى هذه الأزمة مشكلة انهيار العملة المحلية، حيث يفقد الريال اليمني قيمته بشكل مستمر أمام العملات الأجنبية. هذا الانهيار يضع المواطنين أمام تحديات أكبر، خاصة في ظل تراجع فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة نتيجة للظروف الاقتصادية القاسية.
مأساة حقيقية
يقول عبدالقادر الصلوي، مدرس حكومي في تعز: “في رمضان كنا ننتظر صرف الرواتب لنعيش الشهر براحة، أما اليوم، فلا رواتب ولا أعمال، ولا مساعدات كافية. الأسعار تتصاعد بشكل لا يمكن تحمله، ونحن في حالة من القلق الدائم.” هذه الكلمات تعكس حجم المعاناة التي يواجهها الموظفون الحكوميون في المدينة الذين يعانون من تأخر الرواتب أو انقطاعها بشكل كامل في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيا الحوثية.
وفي السياق ذاته، يعاني أصحاب المحلات الصغيرة من تحديات كبيرة نتيجة لارتفاع تكاليف النقل والضرائب المفروضة على السلع. يقول خالد باشا، أحد التجار: “كنا نستعد لشهر رمضان في السابق بتوفير كميات كبيرة من السلع، لأن الناس كانوا يشترون بكثافة، أما اليوم، بالكاد نستطيع بيع بضائعنا بسبب غلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية للمواطنين.”
أساليب مبتكرة للبقاء
نتيجة للأزمة الاقتصادية المتفاقمة، لجأ الكثير من الأسر إلى استراتيجيات مختلفة للتكيف مع الغلاء. أصبح شراء المواد الغذائية يتم بكميات قليلة، حيث تحاول الأسر تقنين استهلاكها طوال الشهر الكريم. البعض الآخر اضطر إلى الاستدانة من الأهل أو الأصدقاء لتغطية احتياجات رمضان، بينما اعتمد البعض على العمل الإضافي أو إرسال الأطفال للعمل بدلًا من الدراسة لتأمين مصدر دخل إضافي.
تقول أمة العليم، ربة منزل: “كل عام كنا نحاول تجهيز بعض المواد الأساسية مثل التمر والدقيق والزيت قبل رمضان، ولكن هذا العام بالكاد نستطيع شراء كيلو من الطحين أو علبة زيت صغيرة. الأسعار مرتفعة جدًا.”
تأثير الحصار والحرب
تعاني مدينة تعز من حصار خانق فرضته جماعة الحوثي على المدينة، مما أسهم بشكل كبير في زيادة تكاليف النقل وارتفاع أسعار السلع. يقول أحمد الدبعي، أحد التجار: “نشتري البضائع بأسعار مرتفعة بسبب أجور النقل الباهظة، ثم نواجه رسومًا إضافية من نقاط التفتيش، مما يؤدي إلى تضاعف الأسعار على المواطنين.” إضافة إلى غياب الرقابة الحكومية، ما سمح لبعض التجار بزيادة الأسعار بشكل غير مبرر، مما يزيد من معاناة السكان في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية.
الآثار الاجتماعية والنفسية للأزمة
لا تقتصر آثار الأزمة على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد لتشمل الأبعاد الاجتماعية والنفسية أيضًا. يعاني العديد من المواطنين من ضغوط نفسية شديدة نتيجة لتفاقم الأوضاع المعيشية، حيث بدأت هذه الضغوط تؤثر بشكل كبير على العلاقات الأسرية، مما أسهم في زيادة حالات الطلاق. كما أن العديد من الشباب بدأوا يفكرون في الهجرة إلى الخارج بحثًا عن حياة أفضل في ظل الأوضاع الحالية.
الحلول المستقبلية
بحسب الخبراء الاقتصاديين، يتطلب الوضع في تعز تدخلات جذرية لوقف تفاقم الأزمة الاقتصادية. يرى الباحث الاقتصادي “إيلول قاسم” أنه يجب توحيد السياسة النقدية بين البنكين المركزيين في صنعاء وعدن من خلال إجراءات تهدف إلى تعزيز استقرار الريال اليمني، وتقليص الرسوم غير القانونية التي تفرض على التجار أثناء عمليات النقل. كما يشدد على ضرورة زيادة الدعم الإغاثي من المنظمات الدولية لتلبية احتياجات السكان الأكثر تضررًا، وتفعيل دور الرقابة لضبط الأسعار ومنع الاحتكار.
الخاتمة
تستمر مدينة تعز في العيش تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة تزداد حدتها مع حلول شهر رمضان المبارك. ومع استمرار الحصار والانقلاب، ومع غياب الحلول الفعّالة وغياب الرقابة الحكومية، يظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المدينة مهددًا. في ظل هذه الظروف الصعبة، يبقى الأمل معقودًا على تدخلات عاجلة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتخفيف معاناة سكان المدينة الذين يواجهون تحديات لا حصر لها في ظل هذه الأزمة المستمرة.