سوريا: نهضة وانتصار رغم التحديات
بقلم /صالح يوسف
من وجهة نظري، يُعد إسقاط نظام الأسد القمعي الاستبدادي الحدث الأبرز في العقد الحالي، وربما في عقودٍ عديدة قادمة، ليس فقط لسوريا، بل للمنطقة بأسرها. فقد كان هذا النظام من أسوأ الأنظمة التي عرفتها المنطقة، إذ ارتكب أبشع الجرائم بحق الشعب السوري، من قتل وتشريد، وتحول إلى أداة قمعية تهدف إلى تدمير البلاد وإفقار شعبها. وبعد سنوات طويلة من الهيمنة والاستبداد، أصبح الأسد معزولًا في قصره، محاطًا بهالة من الفساد والظلم، بينما هرب إلى موسكو بما سرقه من أموال الشعب، في خطوة تفضح نظامه المتهالك.
كان النظام السوري السابق خاضعًا للهيمنة الإيرانية، حيث شكلت سوريا جزءًا حيويًا في الهلال الإيراني الممتد من طهران إلى بيروت. عانى الشعب السوري في ظل هذا النظام، فتشظت البلاد وتشرذمت آمال المواطنين، بين معاناة داخلية وأعداد ضخمة من المهاجرين. في المقابل، كان الأسد ضعيفًا، لا تأثير له في معادلات السياسة الدولية. ولكن هذا المشهد تغير بشكل جذري.
بعد إسقاط هذا النظام الاستبدادي، تنفس السوريون الصعداء لأول مرة منذ عقود. ومع وصول” الشرع ورفاقه”، دخلت سوريا مرحلة جديدة من الاستقرار السياسي والإقليمي النسبي. انسحب الإيرانيون، وتلاشت الميليشيات الطائفية، وعادت الدولة السورية لاستعادة سيادتها بفضل قيادة جديدة. وللمرة الأولى منذ زمن طويل، أصبح الشعب السوري يشعر أنه يعيش في دولة تحتضنه وتضمن حقوقه دون تمييز أو قمع. اختفت السجون التعسفية، وتوقف الابتزاز، وتراجع الفساد.
وفي خطوة هامة نحو تحقيق الاستقرار، استعادت سوريا مكانتها في محيطها العربي والإقليمي. وبعد أن كانت تحت ضغوط شديدة، أصبح المجتمع الدولي يتعامل مع الحكومة السورية الجديدة باعتبارها واقعًا سياسيًا لا يمكن إنكاره. ورغم التحديات التي واجهتها الحكومة، استطاعت دمشق بحنكة أن تبعد المخاوف الأولية المرتبطة بالخلفيات الفكرية للحكومة الجديدة. فقد تبنت سياسة معتدلة تسعى إلى تحقيق الوحدة الوطنية، بعيدًا عن الانتقام، ما تجسد في خطابات الحكومة التي دارت حول تسوية الخلافات وتضميد الجراح الوطنية.
وفي سابقة نادرة في تاريخ سوريا الحديث، تبنت الحكومة السورية نهجًا معتدلًا وواقعيًا في التعامل مع القضايا الوطنية. لقد حققت نجاحًا دبلوماسيًا واقتصاديًا ملحوظًا، وكان شعارها الدائم هو التنمية وبناء مستقبل أفضل لجميع السوريين. وعلى الرغم من محاولات البعض لإثارة الفوضى، كما تجسد في أحداث الساحل الأخيرة، بقيت الحكومة السورية ثابتة في موقفها، مؤكدة التزامها بمحاكمة المتورطين في الأعمال التخريبية، وهو ما يعكس التزامها العميق بإعادة بناء سوريا قوية وآمنة.
وإن الاتفاق التاريخي الذي تم امس بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية”قسد ” بقيادة -مظلوم عبدي – يُعد إنجازًا دبلوماسيًا استراتيجيًا يمثل انتصارًا كبيرًا لمشروع سوريا الجديدة. هذا الاتفاق يعزز الوحدة الوطنية، ويشكل ضربة قاصمة لكل القوى التي راهنت على إشعال الفتنة الطائفية والمناطقية لتقسيم البلاد. بفضل هذا الاتفاق، تمضي سوريا على الطريق الصحيح نحو دمج جميع الفصائل المسلحة في جيش وطني موحد، مما يعزز من سيطرة الحكومة على معظم الأراضي السورية.
وفي الختام، يمثل نجاح سوريا الجديدة، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، انتصارًا لمشروع الاعتدال والعقلانية في منطقة عانت طويلًا من الحروب والصراعات. إن هذا النجاح لا يقتصر على سوريا فحسب، بل هو انتصار لكل العرب ولمنطق الاستقرار والتنمية في المنطقة، في مواجهة القوى التي حاولت إشعال الفتن وزعزعة الأمن.