مخازن الموت الحوثية في قلب المدن “جريمة حرب”
الرشادبرس_ مقالات
بقلم – فهمي الزبيري
في خضم الحرب المشتعلة في اليمن، تتكشف فصول دامية من معاناة المدنيين نتيجة الممارسات التي تنتهجها ميليشيا الحوثي الإرهابية، وعلى رأسها تحويل الأحياء السكنية إلى مخازن ومراكز لتجميع وتصنيع الأسلحة والمتفجرات. هذه السياسة المنهجية لا تُعد فقط انتهاكًا صارخًا لأبسط مبادئ القانون الدولي الإنساني، بل تُشكل جرائم حرب مكتملة الأركان تستدعي التحقيق والمساءلة.
وتُعد انفجارات “خشم البكرة” نموذجًا حيًّا لانتهاك القانون الإنساني. فقد شهدت منطقة خشم البكرة في حيّ صرف بصنعاء، يوم أمس، سلسلة انفجارات عنيفة ناجمة عن تفجير مخازن أسلحة سرية تابعة للحوثيين داخل أحياء سكنية. أسفرت الانفجارات عن مقتل ما لا يقل عن 40 مدنيًا وإصابة العشرات، بينهم ركاب حافلات وباعة قات ومواطنون عُزّل. كما دُمّرت تسعة منازل بالكامل، وتضررت 11 أخرى جزئيًا، بينما فرضت الميليشيا طوقًا أمنيًا مشددًا على المنطقة، خشية التوثيق وتصوير مسرح الجريمة، ومنعت وسائل الإعلام من الوصول، في محاولة لإخفاء الأدلة.
أفادت تقارير محلية ومصادر ميدانية بأن الانفجار نجم عن فشل في إطلاق صاروخ من أحد مواقع الإطلاق القريبة من مطار صنعاء الدولي، دون وجود أي غارات جوية، وهو ما يناقض المزاعم الحوثية التي تحاول تضليل الرأي العام المحلي والدولي.
لا تزال جريمة مدرسة الراعي ومصنع سعوان حاضرة في أذهان اليمنيين، وتكرار الكارثة بذات اليد. ولم تكن كارثة خشم البكرة الأولى من نوعها؛ ففي مارس 2019، سقط عشرون طفلًا ضحية لانفجار وقع قرب مدرسة الراعي للبنات في حي سعوان شرق صنعاء، نتيجة لتخزين الحوثيين أسلحة قرب المدرسة. وبعدها بأسابيع، انفجر مصنع سلاح حوثي وسط حي سكني، ما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات المدنيين.
تعتمد ميليشيا الحوثي سياسة ممنهجة في التعتيم الإعلامي وقمع الشهود. فعقب كل حادثة، تنتهج استراتيجية منظمة للتضليل تبدأ بإصدار بيانات كاذبة، تليها حملات اعتقال تطال الصحفيين والمواطنين الذين يوثقون الانتهاكات. ولا يزال العديد من المصورين والناشطين رهن الاعتقال أو في عداد المختفين قسريًا لمجرد قيامهم بتوثيق أدلة على هذه الجرائم.
هذه الانتهاكات ترقى إلى جرائم حرب، وتُعد خرقًا فادحًا للمادة (58) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، التي تُلزم أطراف النزاع باتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين من أخطار العمليات العسكرية، وتجنب تخزين الأهداف العسكرية ضمن أو قرب المناطق المدنية. كما تُشكل انتهاكًا صارخًا لمبدأ التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية.
على المستوى المحلي، يُعد تخزين الذخائر والمتفجرات في مناطق سكنية مخالفة مباشرة لقانون الجرائم والعقوبات اليمني، ويعرّض المتسببين للمساءلة الجنائية بتهم التسبب في القتل والإيذاء العمدي وتعريض الأمن العام للخطر.
وقد وثّقت منظمات دولية هذه الجرائم البشعة، حيث أشارت تقارير صادرة عن “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة العفو الدولية إلى مسؤولية الحوثيين عن عسكرة الأحياء المدنية، وتخزين الأسلحة قرب المدارس والمستشفيات، واستغلال الأطفال والنساء كدروع بشرية. كما دعت هذه المنظمات إلى فتح تحقيقات دولية عاجلة في الحوادث المتكررة في صنعاء وغيرها من المدن اليمنية.
إن استمرار هذه الانتهاكات، وتكرار النمط نفسه من الجرائم في مناطق متفرقة من صنعاء وذمار والحديدة، يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية قانونية وأخلاقية ملحة. ومن هذا المنطلق، فإن فتح تحقيق دولي مستقل بإشراف الأمم المتحدة أصبح ضرورة، إلى جانب مطالبة مجلس الأمن بفرض عقوبات محددة على قادة الحوثيين المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
في الوقت ذاته، ينبغي على القوى المدنية والحقوقية اليمنية تكثيف جهودها في التوثيق وتقديم الملفات إلى المحكمة الجنائية الدولية، والعمل على توفير الحماية للشهود والضحايا، وضمان إيصال أصواتهم إلى العالم.
ما يحدث في صنعاء من عسكرة ممنهجة للأحياء السكنية وتحويلها إلى مستودعات موت، يفضح واقعًا مروّعًا من استهتار ميليشيا الحوثي بأرواح اليمنيين. وهي جرائم لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن السكوت عنها، فكل منزل انهار، وكل طفل قُتل، وكل صوت صمت تحت التهديد، هو شاهد على جريمة يجب أن يُحاسب مرتكبوها.