مقالات

الرشاد.. مصنع الكفاءات (1)

بقلم / صالح يوسف

تُعد الأحزاب السياسية إحدى الركائز الأساسية لأي نظام ديمقراطي حديث، إذ لا تقتصر وظيفتها على التنافس للوصول إلى السلطة، بل تتجاوز ذلك إلى كونها مؤسسات تُسهم في إعداد وتأهيل الكفاءات الوطنية القادرة على قيادة الدولة والشأن العام. ومن هذا المنطلق، يمكن تشبيه الأحزاب بالجامعات السياسية التي تُمكّن منتسبيها من اكتساب المهارات القيادية، والعمل الجماعي، والتخطيط الاستراتيجي، والتفاوض، وإدارة الأزمات.
من خلال هياكلها التنظيمية وبرامجها التدريبية، تتيح الأحزاب لأعضائها فرصًا ثمينة للمشاركة في العمل البرلماني والمحلي والتنظيمي، ما يكسبهم خبرات ميدانية عملية تُؤهلهم لتحمل المسؤوليات السياسية والإدارية بكفاءة. وتكمن أهمية هذه التجربة في كونها تساهم في اكتشاف القيادات الطبيعية، وتُسهم في صقل مواهبهم عبر التدريب والتكليف التدريجي، ليصبح الحزب بذلك مصنعًا للكفاءات الوطنية.
إن اعتماد الأحزاب على الكفاءات العلمية المتنوعة يُعزز من قدرتها على إعداد برامج سياسية واقعية، ويمنحها مرونة في التعامل مع مختلف القضايا. كما تتيح البيئة التفاعلية داخل الحزب تبادل الخبرات بين الأعضاء، ما يرفع من مستوى الأداء الجماعي، ويُسهم في ترسيخ ثقافة مؤسسية متينة.
وفي هذا الإطار، فإن البناء الحزبي المتين يشكل شرطًا أساسيًا لإنتاج قيادات مخلصة، وحكومات كفؤة قادرة على قيادة البلاد. وإن ما تعانيه بعض الدول من فوضى وتشظٍ، يعود في جانب منه إلى ضعف بعض الأحزاب، وغياب الكفاءة عن مخرجاتها، فضلًا عن التدخلات الخارجية التي أربكت المشهد السياسي.
بعد ثورة 2011، برز حزب الرشاد كأحد النماذج الوطنية اللامعة، جامعًا بين الالتزام بالقيم والثوابت من جهة، والانفتاح على متطلبات العصر من جهة أخرى. فرغم تحديات المرحلة، وما تبع الربيع العربي من استقطاب حاد وهزات سياسية متتالية، حافظ الحزب على توازنه، وواصل أداءه بثبات ومسؤولية.
ما يُميز حزب الرشاد بحق هو إيمانه العميق بأن بناء الوطن يبدأ ببناء الإنسان. وقد تجلى ذلك في تبنيه لرؤية استراتيجية واضحة في تأهيل كوادره، من خلال إطلاق برامج تدريبية متقدمة، ودورات فكرية وتنظيمية، تُنمي الوعي السياسي، وتُعزز روح المبادرة، والعمل الجماعي، والحوار الديمقراطي.
لقد أولى الحزب اهتمامًا كبيرًا بالشباب، مُفسحًا المجال أمامهم للمشاركة في صناعة القرار، وتحمل المسؤوليات، مما خلق جيلًا من الكوادر المؤهلة التي أثبتت جدارتها في العمل السياسي والمجتمعي. كما ساهم انفتاح الحزب على جميع مكونات المجتمع، وخطابه المتزن البعيد عن الصدامات، في ترسيخ صورته كجسر للحوار، لا كساحة للخلاف.
إن تجربة حزب الرشاد في تأهيل كوادره تمثل نموذجًا متقدمًا في العمل الحزبي المؤسسي، حيث يجتمع فيه الوعي، والكفاءة، والالتزام الوطني رغم ان اوضاع البلاد حالت دون تقديم المزيد.
وفي زمنٍ تفتقر فيه الساحة السياسية إلى النماذج الجادة، يبرز حزب الرشاد كنموذج يُحتذى به، يؤمن بأن الإنسان هو أساس التغيير، وأن النخبة الواعية هي بوابة الإرتقاء والتقدم والإزدهار.

يتبع….

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى