محلية

أزمة المياه في تعز.. معاناة مستمرة وحلول غائبة

الرشاد برس- تقرير
تعيش مدينة تعز وضعًا إنسانيًا مأساويًا في قطاع المياه، يفاقم من الأزمة الإنسانية المستمرة منذ أكثر من عقد، نتيجة الحصار الذي تفرضه المليشيا الحوثية المصنّفة في قوائم الإرهاب. ومع مرور الوقت، تتصاعد حدّة الأزمة وسط عجز محلي وصمت دولي وأممي مخزٍ، دون أي تحرك فعّال لإنقاذ السكان من معاناتهم اليومية مع شُحّ المياه.
في الآونة الأخيرة، ازدادت حدة الأزمة، حيث أصبح المواطنون يضطرون للتنقل من حي إلى آخر، بحثًا عن “لترات” قليلة من الماء، وكأنهم يبحثون عن كنز ثمين. فقد وصل سعر صهريج الماء سعة 6,000 لتر إلى أكثر من 70,000 ريال يمني، وهو مبلغ يفوق قدرة كثير من الأسر، ما دفع البعض للاعتماد على مياه ملوثة أو غير صالحة للشرب.
أسباب الأزمة
يؤكد المسؤولون المحليون أن مدينة تعز تُعد من أكثر المدن اليمنية معاناة من أزمة المياه، بفعل عوامل طبيعية وبشرية متشابكة. فهي تقع في منطقة جبلية تعاني من محدودية الموارد المائية، وقد زاد الوضع سوءًا مع التوسع العمراني العشوائي وارتفاع عدد السكان.
منذ انقلاب الحوثيين عام 2015، تدهورت البنية التحتية بشكل كبير، حيث تعرّضت شبكات المياه والآبار للتدمير، وانقطعت الكهرباء اللازمة لتشغيل محطات الضخ. كما أن سيطرة الحوثيين على أحواض المياه الرئيسية حال دون وصول الإمدادات الكافية إلى المدينة.
وما زالت الجهود المحلية والدولية خجولة ومحدودة، وتعاني من ضعف التمويل وانعدام الاستقرار الأمني، ما يجعل من أزمة المياه واحدة من أبرز مظاهر المعاناة الإنسانية في تعز، ويستدعي تدخلًا عاجلًا ومستدامًا.
معاناة متواصلة
لم تعد الأزمة تقتصر على مياه الاستخدام فحسب، بل امتدت لتشمل مياه الشرب، وهو ما يضاعف من معاناة السكان، الذين يواجهون طوابير طويلة وازدحامًا خانقًا أمام البقالات القليلة التي ما زالت توفّر قنينات الماء الصالح للشرب، والتي ارتفع سعر الواحدة منها (20 لترًا) من 300 ريال إلى 1200 ريال، بل وقد تنعدم في بعض الأحياء تمامًا.
تقول “أم هاني”، وهي أم لأسرة مكونة من 8 أفراد:
“منذ أكثر من شهر نشرب من الماء العادي بعد أن اختفى الماء الصالح للشرب. كنا نحصل عليه من خزانات السبيل مرتين في الأسبوع، ولكن الآن لم نعد نجدها، واضطررنا للشراء من البقالات، ما جعل سعر القنينة يرتفع الى 1200. كثير من الأسر توقفت عن شراء ماء الشرب واكتفت بالماء العادي رغم مخاطره الصحية.”
من جهته، يشير الأستاذ -شوقي عادل – إلى أن صمت الجهات الرسمية غير مبرر، ويزيد من غضب المواطنين الذين يُجبرون على التنقل لمسافات طويلة، أو الانتظار لساعات، للحصول على ماء قد لا يكون آمنًا، في ظل غياب تام للرقابة الصحية والإنسانية.

الحلول العاجلة
في ظل تعقيد المشهد، ظهرت بعض المبادرات والاقتراحات العاجلة للحد من الأزمة:
منها فتح آبار مؤسسة المياه في منطقة الضباب غرب تعز أمام صهاريج التعبئة، وتحديد أسعار معقولة للمواطنين.
تشكيل لجان رقابية من مكاتب الصناعة والتجارة، والنقل، والسلطة المحلية، لمراقبة أداء الآبار الخاصة ومنع التلاعب بالأسعار.
إعادة تأهيل شبكات المياه ومحطات الضخ، مع التركيز على استخدام الطاقة الشمسية كبديل عن الكهرباء والوقود.
اعتماد مصادر بديلة مثل حفر آبار جديدة، ومشاريع حصاد مياه الأمطار في المدارس والمنازل.
دعم محطات التحلية الصغيرة في المناطق الآمنة بدعم من المنظمات الدولية.
تنظيم توزيع الصهاريج مع إعطاء الأولوية للأسر الفقيرة، ووضع سقف للأسعار.
إطلاق حملات توعية لترشيد استهلاك المياه، خاصة في الأحياء المكتظة.
كما دعا الأستاذ- طارق السلمي- إلى تنسيق إعلامي وأكاديمي وسياسي بين مختلف الجهات، لإبراز حجم الأزمة ووضع حلول جذرية لها، على أن تتولى السلطة المحلية اختيار أنسب الحلول وتنفيذها بموارد مجتمعة.
خاتمة
تعيش مدينة تعز أزمة مياه خانقة تهدد حياة مئات الآلاف من السكان، في ظل غياب خطط فاعلة وجهود حقيقية لمعالجتها. إن الحل لا يكمن في المسكنات المؤقتة، بل في إنشاء بنية مائية مستدامة، وتفعيل مؤسسات مهنية نزيهة، وتوفير رقابة حقيقية على الخدمات الأساسية.
يبقى الأمل معقودًا على تكاتف جميع الأطراف—السلطة المحلية، والمجتمع المدني، والمنظمات الدولية—لإنقاذ تعز من كارثة صحية وإنسانية محققة، وضمان حق أهلها في الحصول على مياه آمنة ونظيفة، كما يكفله القانون الإنساني والدولي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى