أنا والمذيع!
سألني المذيع النشيط، ضاغطا على مخارج الحروف : ” من أنت ؟ ” .
ـ كان المفروض أن أتحدّث عن نشأتي، و دراستي، و قراءاتي، و إنتاجي،وخطة مستقبلي، و الأعمال العامة التي تولّيتها .. لكنني تجاوزت هذا كلّه، قائلا :
أنا شاب ـ من شباب اليمن _قليل الوجود ـ من شباب المستقبل ! .
شاءت الظروف أن أصبح مسـتغنيا عن الإحزاب والمصالح الشخصية و المنافع، فأتاح لي هذا حرّيـة التفكـير، و القدرة على تجاوز غوغائية الانتماءات العرقية و الطائفية و الأيديولوجية .
بحكم طبيعتي الفطرية، وجدت نفسي قادرا على النظر إلى الأمور بعين جديدة متجـدّدة، متجاوزا المأخذ التقليدي الذي يلتزم به الكثيرون من حولي .. فأتاح لي هذا المزيد من الحرص في النظر إلى كلّ ما استقرّ من أفكار و أمور و أوضاع، و أن أبحث ـ قبل قبول أيّ شيء ـ عن السياق الذي خرج منه، لأحكم على مدى استمرار مصداقيته .
نتيجة لذلك، وضحت لي حقيقة الحاضر الذي نعيشه، و مدى غوص أقدامنا في الماضي الذي نقبله على علاّته، عجزا أو كسلا .. و بدأ سعيي إلى استشراف المستقبل، على أساس علمي، وفق رؤية شاملة متكاملة .
أدرك، كلّ يوم من جديد، استحالة وصولنا إلى حلّ لمشاكلنا، و عجزنا عن اللحاق بمن سبقنا من شعوب، نتيجة للمأخذ السطحي الذي نلتزم به على مختلف المستوبات، و الاعتماد على أسس انقضت صلاحيتها في محاولة إعادة البناء .
هكذا، أصبحت لي ـ و أنا الوطن ـ قضية واضحة، و رسالة محدّدة، ألتزم بها فيما أقول و أكتب، بلا مـلل أو يأس، رغم ما ألقاه من إعـراض شبه عام، و بخاصّة من جانب مستويات صناعة القرار، التي بيدها ـ لو فهمـت و أخلصت ـ أن تبدأ أولى خطوات الحـلّ الحقيقي، الباقي، لمشاكلنا .
عشقي للحقيقة الذي لا حدّ له، و كراهيتي الشديدة للمناورة و المراوغة، و تلوين الأشياء بألف لون، وضعاني في موضع لا أحسد عليه، و أكسباني عداوة أصحاب الأفق الضيّق، من محترفي النفعية و الغوغائية السياسية .
أعترف أن المكان قد لا يكون في صالحي .. لكنّي أومن بأن الزمان سيكون في صفّي .
لست ـ كما يتصوّر البعض ـ دون كيشوت هذا الزمان .. فأنا لا أحارب طواحين الهواء، بل أحارب قلاعا للجمود و التعصّب و الفساد .. و لست وحيدا في حربي هذه، فمعي أصحاب المصلحة الحقيقية في مستقبل أفضل لليمن .
* * *
انصرف المذيع النشيط .. و كان قد نسي أن يسجّل حديثي ! ..
سليمان الشيخ ،