مقالات

أسباب التدخل الأجنبي في اليمن

مجلي الجرباني
مجلي الجرباني

مجلي احمد الجرباني

خـطـورة هـذا المـقـال وأهـميـتـه تـكـمـن فـي كـشـف الأسـباب الـحـقـيـقـة الـتي تجـعـل من الـيـمن عـرضة لـلـتـدخـل الأجـنـبـي بل والاستـعـمار إن كـلـف الأمـر ذلـك, وقـبـل خـوض غـمار أسـبابه لابـد مـن سـرد ثـلاثـة بـنـود:-

 

الـبـند الأول: عـنـدما أتـحـدث عـن الـتـدخـل الأجـنـبي فأنـا لا أقـصد بذلـك أمـريكـا والاتحـاد الأوروبي فـقـط وإنـما للأسـف دول إقـليـمـية إسلامـية تـلـعـب دورًا سلـبـيــًا مـثـل السعـوديـة وإيـران, وأخـرى تـلـعـب دورًا إيـجـابـيــًا مـثـل تـركـيا.

البـنـد الـثـاني: لـن أتـشـعـب في الـتـفاصـيل, فـدائـمــًا أحـاول بـناء جـسـرًا من الـثـقـة بـيـني وبـيـنكـم لإيمـاني بقـدرتـكـم عـلى فهـم ما وراء السـطـور بـل وتـكـمـلـة ما سكـت عـنه قـلـمي سهـوًا أو عـمـدًا.

 البـنـد الثـالـث: لـقـد رتـبـت الأسباب بـدايـة بالأهـم ثـم الـذي يلـيه في الأهـمية, ويحـق لـكـم هـيكـلـتها مجـددًا أو إضـافة أسباب لـم أذكـرها, وحـبـذا الـتـفاعـل مع المقـال بالـنـقـد والـتـعـلـيـق من خـلال المساحـة المتـاحـة أسفـل الصفـحـة.

 

أولاً المـوقـع الاستـراتـيـجـي, لو كـان العـالم زجـاجـة فـالـيـمـن هـي عــنـق هـذه الزجـاجـة بـجـبهـتـها البحـريـة المـمتـدة 2500كـم والـتي تعـبـرها عـشـرات آلاف السفـن سنـويــًا, حـامـلـة عـلى متـنها رؤوس أمـوال الـتـجارة العـالمـية, ووقـود المصانع العـملاقـة. فمـضيـق باب المـنـدب هـو ثـالـث أهـم مضـيـق في العـالم حـيـث يـبـحـر منه ثـلاثـة ملـيـون برمـيـل نـفـط يـومـيــًا, وأهـرامات مالية مـقـدرة بأرقـام فـلـكـية لـتـستـقـر في شـارع وول استـريـت الأمريـكي الـذي يـرسـم أصحابه سـياسة العـالـم المهـيـمـنة عـلى شعـوب الكـرة الأرضـية.

 

 وبـدلاً من أن تـدر هـذه الجـغـرافـيا الرائـعـة عـلى مائـدتـنا المن والسلـوى نرى الأقـدام تـتـشـقـق لـتعـود بـدولار نهاية الـنهار..!! فـمـوقـع السمـراء عـدن يؤهـلها لـتـصبـح مديـنة اقـتـصاديـة سياحـية عالـمية حـرة بـدلاً من الهـريسة والـبخـور والـبسباس الـذي أغـرقـت بهم السوق المحـلـية. ثـم كـذلـك امـتـلاك الـيـمـن 216 جـزيـرة يأتـي عـلى رأسـها سقـطـرى الـتي تـوازي الـيـمن بأكـمـله من حـيـث أهـمـيـتها الاستـراتـيـجـية الـشاملـة.

 

ثـانـيـــًا الـثـروات الحـيـويـة لا أتـكـلم هـنا عـن الـنـفـط والـغـاز فـقـط لأن من حـولـنا بحـيـرات عـملاقـة تـفـي بالطـلـب, لـكـن لـديـنا ثـروات أخـرى إذا صحـت الـتـقـاريـر الأخـيـرة في اكـتـشاف ملايـيـن الأطـنـان من الـذهـب والـيورانـيـوم ونعـرف أهـمـية الـيـورانـيـوم في تخـصـيـب الـقـنـبـلـة الـنووية..!! ولأنـنا بعـيدون جـدًا عن تـشكـيل حـتى قـريحـة نـووية, فـلـماذا عـلى الأقـل نرضـى لأنـفسـنا بأن نصـبح دولة فاشـلـة, تستـنـزف الـدول الأجـنـبـية خـيـراتـنا بطـريـقـة تهـدد مستـقـبل أولادنا؟ أليس تـدخـلهم السافـر يسبـب حـروبنا الأهـلـية الـتي تخـلـف وراءها موجات تسونامـية من الـفـقـر والـفساد والجـهـل والاستـنـزاف؟

 

ثـالـثــًا ضعـف الـدولة ولا يتـمـثـل هـذا الأمـر في ضـعـف الـقـيادة السياسية فـقـط بـل أيـضـــًا في فـشـل الاقـتـصاد, والأمـن, والـقـانون في فـرض السيادة الوطـنـية, وكـذلـك غـياب الـمشروع الوطـني الـذي يحـقـق تـنمـية مستـدامة. فـقـد تـوالـت الأنـظـمة السياسـية الضعـيـفة عـلى حكـم الـيمن لـذا كانـت دومــًا تـبحـث عـن حـلـيـف خـارجي, مـما دفـع الـدول الـتي تـملـك أجـنـدة خـاصة بمـصالحـها عـلى تـشـويـه واقـعـنا والـلـعـب بتـفاصيـل مستـقـبلـنا, ولـيس هـذا بجـديـد عـلى قـادة الـيمن, فـقـد صنع الأمـر نـفسه آخـر الملوك الحـميـريـيـن سيـف بـن ذي يـزن الـذي نـتـغـنى به في ملاحـمنا الـتـاريخـية, ويـبدو لي أن الجـيـنات السياسية لـذي يـزن قـد انـتـقـلـت عـبر الـتاريـخ إلى الـذي يـزن والـذي لا يـزن..!! ولعـل العـزلة الـتي فرضها الإمام عـلى الـيمـن وجـعـل مـنها ” أوطـة مغـمـطة”, بالـيمـني دمـة ما قـد فـتـشـتـش, ربما أنها خـطـة ناجـعـة جـعـلـت العـالـم ينـظـر بتـعـاطـف لهـذه الـبسة الـتي تـتـخـبـط في الـظـلام دون تـوريـط نـفـسه بمـساسها والعـبـث بها.

 

رابعـــًا الـنـظـام الجـمـهوري فالـيمن هـي الجـمهـورية الـيـتـيـمة في بـيـئة ملـكـية, لـذا دأب الجـوار عـلى جـعـل الـيـمن مجـرد مقـلـب نـفـايات لكـل سلـبـيات ممالـكـهم حـتى تـزهـد شعـوبهـم في أي حـلـم بالجـمهـورية, وما تمثـلـه من رمـزيـة للـديمـقـراطـية والحـرية. فـمـن المـؤكـد أن هـناك من يـريـد جـعـل الـنـظام الجـمـهـوري رمـزًا للـتـفـكـك, والـفساد, والصـراع, والـفـشـل, والـضعـف, والـضـياع وهـذا ما نحـن بصـدده..!!

 

خـامســًا المجـتـمع المحافـظ, معـروف عـنا المحافظة لدرجة الـتـزمت أو الانغلاق, وهذه العـنـصر ذو حـديـن,مخـافـة تحـول المجـتـمـع إلى الـتـديـن الـظـاهـري الـشـكـلي. فـمـثـلاً رغـم مصاعـب المجـتـمع الـعـديـدة إلا أن الـعالم ينـظـر إلـيـنا كمجـتـمع مـتـديـن ذاتـيـــًا, يراقـب نـفسه بنـفـسه, وثـقـافـة العـيـب حـاضـرة بقـوة لـديـنا, لكـن الخـوف ان يكـون مرجـعـيـة المحافـظـة هـذه نابعـة من ثـقـافـة العـيـب الـتي تستـنـد عـلى الأعـراف الـقـبـليـة, والعـادات الـتـقـلـيدية, ولـيس من جـوهـر دينـنا الـرشـيد, مما يجـعـل مفاهـيـم المجـتـمع حـول بعـض الـقـضايا مجـرد مفاهـيـم سطـحـية ستـنعـكـس سلـبــًا عـلى صـورة الـديـن أصـلاً..!! وهـذا المجـتـمع المحـافـظ هـو ما يحـاول الغـرب اخـتـراقـه, فـإذا كـان الـتـديـن شكـلـيــًا فـلـن يصـمد لأن العـادات والـتـقـالـيـد تـتـبـدل بتـبـدل فـكـر الإنـسـان, وتـتـطـور بـتـطـور الحـياة, وتـتـغـيـر مـع تـغـيـر الـزمان والمـكـان..!!

 

سادســـًا أهـل الـمـدد,ما يمـيـز أهل اليـمـن رغـم فـقـرهم وشـقـائهـم أنهـم أهـل مـدد لـقـضايا الإسـلام منـذ مـيلاده. إن أياديهـم فـقـيـرة لكـنها كـريمة تـقـسم من أقـواتهـم نصـرة لإخـوانهم في البـقـاع المنـكـوبة, وهـذا يـدفـع الغـرب لـتـفـكـيـك هـذه العـروة الإنسانـية, والخـصلة الإيمانـية,واخـتـراق هذا الـبـنـيان والإيـثـار والـمـدد, وشـغـل الـيـمن بشـأنـه الخـاص, وتـركـيـز انـتـباهـه عـلى لـقـمة عـيـشه..!! ومـن الواضـح أن نـاس الـيـمن مـازالوا قـاعـدة خـلـفـيـة لـكـل قـضايا الأمـة الإسلامـية ومـددًا لـها بالرجـال والـمال والأعـمال والأقـوال.

 

سابعــًا السلاح الـشخـصي, الـقـبـيـلة والجـماعـات المسلـحة في اليمـن تـشكـل سـبـبــًا هامــًا يـدعـو الغـيـر للـتـدخـل في شـؤونـنا من أجـل تـفـكـيـك هـذه المنـظـومة الـشـعـبـية المسلحـة حـتى لا تـتـحـول إلى جـهاد في أي يـوم من الأيام. لـكـن مـن السـذاجـة أن نـؤمـن بأن الكـلاشـنـكـوف الـذي نملـكه يمكـن أن يشـكـل خـطـرًا مـباشـرًا عـلى أمـريـكا الـتي تـقـتـل مواطنـيـن فـي قـيـفـة بالريـموت كـونـتـرول من فـلـوريدا..!! إذن مـتى يمكـن لسـلاح المـواطـن العـادي أن يـشكـل تـهـديـدًا حـقـيـقــًا لمصالـح الغـرب؟ وللجـواب أقـول: عـندما يتحـول أي اعـتـداء عـلى اليمـن إلى هـبة شعـبـية مسلحة تـشكـل ما يعـرف في الـتـاريـخ بالمـقاومة أو الانـتـفاضة الـتي تجـعـل كـل مواطـن مقـاتـلاً شـرســًا ومجـاهـدًا مـؤمـنــًا بقـضـيـتـه. وفي مقـدمة هـذه الجـماعات تـأتـي الـقـبائـل الـيـمنـية الأصيـلة, وما يـؤكـد صـحة كـلامـي مثـلاً أنـنا رأيـنا فـي الآونة الأخيرة كيف أنتـقـل تـكـتيك الحوثي من مواجـهة الـدولة إلى استهـداف الـقـبائـل الـيـمـنـية, ومحـاولة اخـتـراقـها من أجـل انـتـزاعـها من يـد المـشائـخ إلى يـديـه لـتحـمل قـضـيتـه السيـاسية, وتمـده بالرجـال والجـبال, وتـوفـر عـليه الكـثيـر من الجـهـد والـمال والـوقـت..!!

 

ثـامـنــًا الطـوائـف المتـعـددة, اليمن عـبر مراحـل الـتاريـخ كان قـبـلة لكـل هـجـرة من أقـطار شـتى, وشهـد صـراعــًا عـالـميــًا تـاريخـيــًا عـلى مـضـيقـه الـمائي, وجـاءتـه أجـناس عـديـدة, وتعـايشـت فـيه أديـان مخـتـلـفة, والـتـقـت فـيه طـوائـف كـثـيـرة, والخـطر يكـمن أن هـذا الـتـناغـم الـديمغـرافي والإيـديـولوجـي من السهـل العـبث به لأسباب سياسـية وديـنـية ليـتحـول من سمـفـونـية هـادئة إلـى صخـب يصـم الآذان, ويشـرخ الـوطـن الواحـد, الـديـن الـواحـد, اللـسان الواحـد.

 

تـاسعـــًا الـوحـدة الـيـمنـية, لطـالـما عـمل الـغـرب عـلى إجـهاض أي حـلم بالوحـدة العـربـية حـتى تـظـل دول المـنطـقـة تحـت السيـطرة, وكـان الـتخـوف من تحـول الوحـدة الـيمنـية إلى لـبـنة أولى في أي تـكـتـل عـربي شامـل نستعـيـد به أي شكـل من أشـكـال الإمـبـراطـورية الإسلامـية المنـقـرضـة..!! لكـن للأسـف لـم تـلهـم الوحـدة الـيمنـية الآخـريـن عـلى تـكـرار الـتـجـربة بعـد أن عـكـست أنـموذجــــًا فـاشـلاً لـلـدولة الـركـيـكـة التي تعـاني من أزمات قـاهـرة.

 

عـاشـرًا الـمرأة الـيمـنـية, الـنـظـرة الـتـقـلـيـدية للـمرأة مـنها ما له عـلاقـة بالـديـن, ومـنها ما له عـلاقـة بعـادات وتـقـالـيـد ما أنـزل الله بها من سلـطان, والـتي شكـلـت عـقـبة كـؤود أمام حـقـوق الـمـرأة الـمـدنـية والـديـنـية. الغـرب تعـاطـف كـثـيـرًا مع المرأة اليـمنية بل أعـتبـرها رهـينـة يجـب تحـريـرها من سجـن الرجـل, لـذا نـرى الاهـتـمام بإعـطائها حـقـائـب وزارية, ومـنحـها الجـوائـز العـالمـية, وإدراجـها في منـظـماتـه الحـقـوقـية والإنـسانـية, وجـمـيعـها عـوامـل مـغـازلة للمـرأة الـيـمنـية لكـن لـن تـكـون كـلها ضارة ولا كـلها نافـعـة..!! بـل الأهـم هـو وعـي الـمرأة الـيمـنية لأي خــطـر يلـتـف حـولها مـع الاستـفادة مـما يقـدمه الغـرب من تـأهـيل ودعـم بحـيـث لا يكـون مغـزاه الانـقـلاب عـلى المجـتـمع والـديـن.

 

سؤال أخـيـر, هـل فعـلاً لـن تـرى الـدنـيا عـلى أرضـي وصـيـــا..؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى