11فبراير ثورة وإن هاجت بها الأعاصير
بسام الشجاع
كغيرها من بلدان الربيع العربي التي تاهت في سرداب الثالوث المرعب الفقر والجهل والبطالة ردحاً من الزمن الجمهورية اليمنية ومع أن الشعب اليمني يمتاز بخاصية قد لا يملكها غيره وهي خاصية الصبر والتحمل إضافة إلى أنه شعب طيب يسهل إيقاعه في فخ العاطفة وإثارة النعرات القبلية وربما زجه في أتون الموجهة والحرب ما جعله يستمر لفترة 33عام يتقلب في شظف العيش وصعوبة الحياة رغم الثروات الهائلة التي يملكها والتي تضعف ثروات الخليج مجتمعا حسب بعض التقريرات المتخصصة إضافة إلى الثروة البشرية المتطلعة للبناء والتنمية ومع هذا فإن 54%من السكان يعيشون تحت خط الفقر حسب الإحصائيات.
لم يخرج اليمنيون لهذا فحسب ولكن بعد أن (بلغ السيل الزبى)وكاد الغرق أن يصل للجميع متمثلا في الكم الهائل من الفساد المتلاطم بين الاستبداد بالثروة والاستئثار بالسلطة المصحوبان بسياسة التدجين وتكميم الأفواه.
وعند انبلاج فجر الربيع العربي دبت في الروح اليمنية نسائم الحرية المتطلعون للتغيير سلمياً في ثورة شبابية شعبية سلمية باحثين عن مستقبل وواقع يتناسب مع تسمية بلدهم اليمن السعيد.
حينما يتعذر الإصلاح الجذري الجاد، و يستشري الظلم والقمع وتصير مصالح الأمة حصرية بيد النافذين من أهل الفساد؛ فإن الثورة هي قدر الشعب الوحيد وهي الخيار الأمثل وإن بدت محفوفة بالمخاطر,لذلك قال بعضهم “الثورة لا يرتب لها أحد ولا يخطط لها الناس ولكنها تنفجر على حين غرة حين تسد طرق الإصلاح وتتوقف عمليات العدالة ويُمارس القمع”.
ومهما تعددت الآراء حول معنى كلمة ثورة إلا أنهم مجمعون على أنها تحمل مفاهيم ثابتة، مثل الانفتاح على إنجازات غير مسبوقة في خدمة الإنسان ، كالثورة المعرفية والمعلوماتية والجينية والصناعية وهو ما يعني مفهوم البناء والتطوير والمراجعة، وليس الهدم أو التقويض السياسي.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أن ما دار في بلدان الربيع العربي عامة واليمن خاصة أنه ظاهرة اجتماعية متعلقة بتغيير الأنظمة السياسية عبر الفعل الاجتماعي والغضب الشعبي العام، وهذا كله ظهر جلياً في ثورة فبراير حيث ذهب كابوس الخوف وكسر حاجز الصمت وبحت الحناجر وهي وتردد( الشعب يريد بناء يمن جديد)ثم جاء دور التوافق ثم الحوار الوطني ليضم إلى جانب قيادات العمل السياسي القوى الثورية ومكونات وأفراد لم تكن تفكر بالدخول والمشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية للبلد لولا ثورة فبراير وفي الحوار جاء الوزير والمواطن العادي وشيخ القبيلة والمهمش، المرأة والرجل، الشاب الصغير والشيخ الكبير كلهم يقفون في مكان واحد وبوقت واحد ويصوتون بصوت واحد من دون تفرقة وهذا بحد ذاته ثورة, وإن حدثت بعض النتوءات إلا أننا نحكم على الغالب.
وحتى لا يكون حديثنا معزولاً عن الواقع فإننا ندرك أن هناك عقبات كأداء تقف أمام نجاح الثورات سواء على الصعيد الداخلي والخارجي لاسيما الثورات المضادة والأوضاع المعيشية المتردية والانفلات الأمني وكثرت أعمال الشغب كل هذه الأمور جعلت المواطن البسيط والمتابع يتسخط على الثورات وربما يسميها بالفتنة والبلاء ولو تأمل بعمق موازناً بين المصالح والمفاسد لأدرك أن هذا أمر طبيعي ولابد للحرية من ثمن,وأنا أشبه حالنا مع الثورة بقصة طريفة وهي:(أن رجلاً سافراً بسيارته في طريق آمن ومعبد وميسر وفجأة حاد عن الطريق إلى طريق فرعي محفر ومقطع فواصل السير فيه بمشقة وعناء وكلما تقدم ازدادت الوحشة وكثرت العراقيل وقبل أن يصل إلى نهاية الطريق أدرك أنه إما أن يواصل الطريق ويهلك كما هلك من قبله ولا قيمة له ولا ثمن أو أن يرجع وينجو بنفسه وفي هذه الحالة هو مجبر أن يعود من الطريق الوعر والشاق الذي جاء منه وهو الحل الأنسب له حتى يصل الى طريقه المعبد والآمن)وكل عنت وتعب يلقاه هو ثمن الاستمرار في الطريق الخاطئ دون توقف,وبالحقيقة هذا ما ندفعه اليوم ونعاني منه,و قد يقول قائل الثورة تغيير جذري يستأصل كل أركان الأنظمة السياسية ,والإصلاح معالجة لممارسات خاطئة , نقول هذا صحيح ولكن كل ثورة لها خصوصيتها,والذين لا يظهرون إلا الجانب المظلم في الثورة نعذرهم لأنهم يحكمون دون النظر إلى معايير النجاح والفشل أو لأن صورة ثورية سيئة مرسومة في أذهانهم كثورة الزنوج والقرامطة أو حتى ثورة 1962م في سبتمبر وغيرها من الثورات العربية ولابد أن ندرك أن الثورات تختلف باختلاف العوامل التالية:
1.عامل الزمان: تختلف الثورة اليوم ونحن في عصر الانفجار المعلوماتي والثقافي والانفتاح على الآخرين على ثورة سبتمبر قبل 60 عاماً حيث الجهل والتخلف وندرة الموارد الطبيعية والبشرية أيضاً، لذلك كانت الثورات آنذاك أشبه بالانقلاب العسكري والسيطرة على رأس النظام لتنصاع بعد ذلك كل مراكز القوى,وهذا يختلف عن عصر انتشار المعلومة والذي أدى إلى اتساع السيطرة في البلدان وإحكام القبضة عليها لذلك كانت أغلب الثورات سلمية تتجنب إراقة الدماء قدر المستطاع .
2.المكان: وهذا ما أثبتته ثورات الربيع العربي حيث أخذ كل بلد خصوصياته فثورة تونس تختلف عن ثورة مصر وثورة اليمن تختلف عن ليبيا وكذلك سوريا وهكذا بطبيعة المكان تتغير الثورة وتختلف من بلد الى بلد ومن مكان إلى أخر فلا يجوز القياس بينهما والحكم على الأخرى بنجاح أو فشل.
3.والوقت عامل مهم: لاسيما ونحن قد ذكرنا أننا في عصر الانفتاح المعلوماتي,فتحين الفرص يسهل المهمة لعملية التغيير فمتى ما وصل النظام الحاكم إلى أعلى مستويات الظلم والقمع منطلقاً في طريق الفرعنة ولسان حاله “ما أريكم الا ما أرى” فثم السقوط والأفول هذا من جانب، والجانب الآخر مراعات وقت اندلاع ثورات التحرر ورفض الاستبداد في بلد مماثل يسهل الكثير من العقبات والصعوبات أمام الثائرين,فمثلاً في اليمن كم هم الذين خرجوا إلى الشوارع مطالبين بالإصلاح ورفع الظلم والنظر إلى معاناتهم مراراً وتكرار خصوصاً إخواننا في الجنوب لكن خروجهم لم يحرك ساكناً حتى قام أبو عزيزي بإحراق نفسه ليفجر ذلك الكبت الذي آلم الشعوب سنيناً طويلة فكانت الفرصة مواتية لاندلاع ثورة فبراير في اليمن
4.طبيعة النظام الحاكم: حيث لم تكن الأنظمة الحاكمة قديماً والتي قامت عليها الثورات تدخل في هذا التعقيد الحالي وطبيعي أن يختلف الوضع في الدولة العميقة والمتجذرة لاسيما وقد سخرت مقدرات البلدان عدة عقود لخدمة الأنظمة وتكريس مبدأ نحن أو الطوفان مما يجعل عملية التغيير أكثر تعقيداً تبعاً لها.
5.النظام العالمي الجديد: فهو لا يزال يمثل خطراً يهدد عملية التغيير في دول الربيع العربي حيث جاءت عفوية ومن دون ترتيب مسبق كما أن دول إقليمية وغيرها لم يرق لها هذا التغيير فهي لا تزال تسعى إلى تقويضه ليل نهار , أما الثورات على الاستعمار والأنظمة القديمة فقد حدثت بترتيب وتخطيط مسبق والمتابع يدرك أن أغلب القادة الذين تولوا الحكم بعدها على دبابات العدو.
وفي الأخير نتفق مع من يقول أن الثورة لم تكتمل وأنها لا تزال في طريقها إلى النجاح والنضوج كل يوم ولكن ما حققته إلى الآن يجعلها جديرة بأن يقال لها ثورة غيرت في مسار العملية السياسية ولا يشترط للثورة فترة محددة لتستوفي شروطها كاملة فقد استمرت الثورة الفرنسية تحارب الإقطاعية والأرستقراطية والدينية والجماعات السياسيّة اليساريّة الراديكالية من الرابع عشر من يوليو (تموز) عام 1789 وامتدت حتى 1799،.وبعد عشرة أعوام استوفت الثورة شروطها ونتمنى من ثورة 11فبراير 2011م الا تنحرف عن مسارها حتى تستوفي كافة الأهداف.