تقارير ومقابلات

الإمامة.. تاريخ قاتم من الاستعباد والقتل والدمار

الرشاد برس_تقرير

………………………………………………………………………………
دوماً ما عرفت عصور الإمامة في اليمن بعصور الظلام والانحطاط ولم تمر اليمن بعصر من عصور الأئمة إلا وتعرضت لإذلال واستعباد وتدمير كامل وشامل لجميع مناحي الحياة.

يعتقد البعض حين يسمع جرائم الإمامة في اليمن أنها من قبيل مبالغة الكتاب والمؤرخين لكن ومع عودة مليشيا الإمامة المتمثلة في الحركة الحوثية ثبت للعالم أجمع صحة تلك المقولات.

الرسي…

يحيي بن الحسين الملقب بالهادي المتوفى سنة (298ه)، المؤسس الفعلي لدولة البطنين في اليمن، هو الآخر كفر اليمنيين الذين رفضوا اعتقاد أن إمامته من الله، وعاش أيامه في معارك مستمرة مع القبائل اليمنية لإرساء قواعد الدولة العلوية.

فمنذ أن فرض ابن حسين الرسي حكمه عام 284ه على اليمن بدأت جرائم السلالة، فقد استطاع الهادي أن يجعل نظرية حصر الإمامة في البطنين نسل الحسن والحسين جزءاً من عقيدة الهادوية، وواجباً شرعاً وواقعاً فرضه على مخالفيه بحد السيف.

كاتب سيرة الهادي يروي كيف بطش الرسي بأبناء قبيلة بني الحارث الذين رفضوا إمامته الإلهية يقول ابن عمه وكاتب سيرته:

(ثم انصرف الى القرية في آخر النهار فأمر بالقتلى فجمعت ثم أمر بتعليقها في الشجر فعلقت منكسة في كل شجرة جماعة مؤزرين بالخرق والشمال، وأقام بالقرية ثلاثة أيام أو أربعة، ثم إن القرية أنتنت نتناً شديداً حتى لم يستطع أحد أن يأكل لحماً، فأتت بنو الحارث الى الهادي فقبلوا رأسه ورجليه ويديه وسألوه ان يهب لهم جيف إخوانهم فيدفنوها في الآبار والحفر فأبى ذلك عليهم فلم يزالوا به حتى أجابهما).

الحال لم يختلف مع ابنه أحمد بن الهادي إذ خاض حروباً طاحنة لأجل تثبيت حكم السلالة حتى هلك عام 325ه، ثم بدأ الجيل الثالث من عصر الأئمة الهادوية في اليمن، وبدأ مسلسل الصراع الداخلي والنزاع العائلي بين أولاد الإمام الناصر يحيى وقاسم والحسن، واشتعلت الحروب والصرعات العنيفة بين الإخوة، وكان ضحيتها من عامة الشعب الذين لا ناقة لهم ولا جمل في حروب هؤلاء، لكنهم أجبروا على خوضها لأجل نزوات أبناء السلالة، ولم تنته تلك الحروب إلا بعد دمار صعدة على يد الحسن بن ناصر وأخيه المختار.

مذ تأسيس الهادي دولته سنة 284 ه، بدأ الصراع يدب في البلاد. الدكتور حسين العمري كتب عن تلك الحقبة يقول: «أصبح الصراع تقليداً دمغ الحياة السياسية والاجتماعية بميسم الانقسام والاقتتال بين الطامحين والمتصارعين من أئمة البيت الحاكم، حتى أرهق المجتمع وفقدت الدولة المركزية السيطرة، وانجرفت البلاد إلى سنوات طويلة من الفوضى».

السفاح الحمزي و”هولوكوست” المطرفية

لعل ما سبق ذكره من جرائم تكاد تكون مجرد رتوش خفيفة مقارنة باللاحق الأكثر عنفاً، وذلك حين جاء المدعو عبدالله بن حمزة عام 583ه، وهو من نسل القاسم بن ابراهيم الرسي أخو الهادي الرسي، عرف عن عبدالله بن حمزة أنه كان صاحب طموح شديد ومتطلعاً للزعامة، وذا بأس شديد وقسوة كالحديد، وتعصباً عظيماً لمذهبه وسلالته.

بحد السيف والنار، شق طريقه، فعمد إلى حرب كبيرة من أجل إسقاط الخلافة العباسية، وإقامة دولة علوية زيدية تحكم العالم الإسلامي، كما خُيل له، لكن طموحه وبأسه وشدته لم ينصب إلا على الضعفاء من المخالفين لفكره ومذهبه وتعصبه السلالي.

دخل عبدالله بن حمزة في معارك وحروب مع المخالفين لدعوته ونظريته في حصر الإمامة في البطنين، كما يدعو الحوثي اليوم، فبدأ بالمطرفية «وهم فرقة من فرق الزيدية الهادوية يتبعون الهادي بالأصول والفروع، إلا أنهم يخالفونه في شرط حصر الإمامة في البطنين، ويرون أن الإمامة تصلح في عموم الناس، ولا يعترفون بالنسب الفاطمي والعلوي».

فثارت هائجة السفاح الحمزي وجن جنونه، وقام بملاحقتهم أينما وجدوا، وبدأ يبيدهم ويسحقهم بوحشية لم يشهد لها تاريخ اليمن مثيلاً، واستبد بقراهم ودمر مساكنهم وأحرق مزارعهم ودمر مساجدهم، وحاصرهم وطاردهم في صنعاء وذمار وعنس، وعزم على تطهير الأرض من رجسهم، كما قال، فأثخن القتل فيهم، وسفك دماء الأبرياء كباراً وصغاراً، واستحال أعراضهم وأموالهم.

بعض مراجع التاريخ تذكر بأنه قد قتل في صنعاء وحدها قرابة مائة الف من المطرفية خلال ثلاثة أيام فقط، وأحرق مساكن أهلها، وسبى نساءهم ووزعهن جوار لجنوده، ثم أصدر حكمه الجائر ضدهم «بأن تقتل مقاتلتيهم، وتسبى ذراريهم ويقتلون بالغيلة والمجاهرة، ولا تقبل توبة أحد منهم». ولم تنته حملته المسعورة على اتباع المطرفية حتى أبادهم فرداً فرداً، وقضى على أفكارهم ومعتقداتهم المخالفة لعنصريته وجنونه الطائفي.

السفّاح المعتوه أصدر فتوى وحكماً ينص على قتل وإعدام كل من يدعي الإمامة خارج البطنين، ويسعى نحو الزعامة ويتطلع إلى السلطة والرئاسة وهو غير فاطمي علوي.

الهالك بدر الدين الحوثي قال عن تلك المجزرة: «إن ما فعله الإمام عبدالله بن حمزة هو عين الصواب لأنه إمام حق وأن استنكار ذلك يقدح في إمام حق».

سبي المسلمات

من أبشع ما ارتكبه أئمة البطنين على الإطلاق قيامهم بسبي وجعلهن جوار عند أتباع الأئمة.

والسبي فرع عن التكفير للمسبيات وأهلهن إذ لا تسبى إلا الكافرات.

سبى يحيي بن حمزة أخو السفاح عبدالله بن حمزة سبعمائة امرأة من نساء صنعاء ووزعهن على جنوده في قاع طيسان سنة 612ه، واختص الإمام عبدالله بن حمزة لنفسه امرأة تركية أنجب منها ولده سليمان.

ولقد بلغت الوحشية بالإمام عبدالله بن حمزة ان يفتي بسبي النساء اللواتي يسكن في قرى الزيدية المطرفية مع أنهن لسن على اعتقادهن.

فقد جاء في المجموع المنصوري: «سئل الإمام عبدالله بن حمزة عن حكم المرأة التي تسكن قراهم –أي المطرفية– وهي لا تعرف اعتقادهم هل يجوز سبيها؟ فأجاب أن حكمها حكمهم لأن الظاهر من حال تلك البلاد أنها لا تخالفهم وإن خالفت واحدة فإنما يكون نادرا ولاحكم للنادر».

ووصلت شهوة سبي النساء إلى البلاد الشافعية في المحافظات الجنوبية.

ولقد ذكر بعض المؤرخين أن نساء عدن ولحج سبيت في عهد الإمام المتوكل على الله اسماعيل بن القاسم المتوفى سنة (1087ه).

الأحفاد الحوثيون مارسوا تلك الجرائم باعتقال النساء واغتصابهن.

التكفير بالإلزام

حين استقر الحكم للمتوكل اسماعيل بن القاسم الذي جمع بين الملك والإمامة حرص على نشر فقه الهادوية.

تعصبه لمذهبه أوحى إليه بالقول بالتكفير بالإلزام، أي تكفير كل من يخالفه وعلى رأسهم الأتراك ومن والاهم، حيث أن الأتراك كما يقول كفار، والكفار إذا دخلوا بلاداً وحكموها فتعتبر بلاد كفر لأن أهلها أقاموا تحت أوامر وقيادة الكفار.

ترتب على هذا الحكم أن أصبح اليمن الأسفل بلاد كفر يحق له أن يستبيحها رغم أن أهلها لم يظهروا أي كفر، سوى سيطرة الأتراك عليهم، وهي ذات النظرة والحكم التي يطلقه الإماميون الجدد الحوثيون اليوم على مخالفيهم تحت مسميات «داعش» و«القاعدة» وغيرها، وعلى أساسها استباحوا مناطق اليمن الأسفل والجنوب وأشعلوا الحرب في عموم اليمن.

المواهب وجرائمه

ومن صور الخراب والتدمير لدى الأئمة ما قام به الإمام المهدي صاحب المواهب أثناء الثورة عليه التي اقتلعت حكمه، حينما ثار الإمام المنصور حسين بن القاسم بن المؤيد على الإمام المهدي صاحب المواهب في سنة 1127ه «ضاق الأمر على صاحب المواهب حتى لم يبق تحت يده إلا بعض تهامة والبنادر (الموانئ) ومن ذمار إلى اليمن الأسفل، فإذا به يلجأ إلى النوبة ويطلب السودان (العبيد والعمال) من كل بندر ويلبسهم الطرابيش الحمر والجوخ الأحمر (الميري) فاجتمع منهم خلق لا يحصى كثرة وألزمهم بوضع السيف من باب شبام إلى أطراف الشام بجهات صعدة. وكانت الجيوش لا تمر بقرية أو مدينة إلا خربتها وأتت على ما فيها حتى ودع البلاد أهلوها وارتحلوا عن اليمن يطلبون النجاة، وإذا حاصروا مدينة غلت الأسعار وانقطعت الميرة (التموين) وعز الحطب فيضطرون إلى خراب البيوت وإيقاد أخشابها وأبوابها».

وصف الإمام الشوكاني –رحمه الله- جانباً من هذا الجمع للمال من حلال وحرام، متحدثاً عن الإمام الناصر المهدي صاحب المواهب بالقول: «والحاصل أنه ملك من أكابر الملوك، كان يأخذ المال من الرعايا بلا تقدير، وكانت اليمن من بعد خروج الأتراك منها إلى أن ملكها صاحب الترجمة مصونة عن الجور والجبايات، وأخذ ما لا يسوغه الشرع، فلما قام هذا أخذ المال من حله وغير حله، فعظمت دولته، وجلت هيبته، وتمكنت سطوته، وتكاثرت أجناده، وصار بالملوك أشبه منه بالخلفاء. وكان سفاكاً للدماء بمجرد الظنون والشكوك، وقد قتل عالماً بذلك السبب، وشاع على الألسن أنه كان يأتيه في الليل من يخاطبه بأنه يقتل فلاناً وينهب مال فلان ويعطي فلاناً ويمنع فلاناً، فإذا كان النهار عمل بجميع ذلك، ولعل هذا المخاطب له من مردة الجن.

وكان صاحب المواهب لا يرعى للقرابة حرمة ولا يعرف أمام أطماعه أباً أو إبناً ولا أخاً ولا صديقاً، كما كان غداراً لا يقيم وزناً لعهد ولا يرعى حرمة لميثاق. فقد رأيناه ينصر القاسم بن محمد على أبيه بعد موت المتوكل إسماعيل، وأراد الله أن يمثل ابنه معه نفس الدور؛ يوجهه إلى حرب منافسيه وعندما يصل إلى غب يخشى بادرة أبيه فينضم إلى خصومه ويبايع يوسف بن المتوكل. ويطلب ابنه المحسن فيحبسه ويضيق عليه حتى يموت في سجن ذمار ويسلط ابن أخيه القاسم على البلاد ويعلم الله كم سفك القاسم من دماء وخرب من ديار وارتكب من جرائم في سبيل عمه صاحب المواهب. يداهم قبائل المشرق ليلاً (البيضاء)حتى إذا أصبح الصباح عاد بالرؤوس محمولة والأسرى مغلولة والأسلاب مسوقة».

عنف وتصفية

استطاع محمد بن يحيى حميد الدين عام 1307ه/ 1889م أن ينفخ الروح في الإمامة وإطالة عمرها مع ولده يحيى بعد أن أخذت ممالك الإمامية تسقط والحروب تشتعل في كل بقاع اليمن بين أبناء السلالة المتناحرين على الإمامة.

بنهج العنف والتكفير للمخالفين الذي انتهجه أسلافه السابقون حكم مملكته.

ابنه يحيى حكم اليمن سنة 1322ه/ 1904م بدأ عصره بالتخلص من الشخصيات الكبيرة التي وقفت ضد اختياره إماماً، فبدأ بمعلميه ومشايخه، ودخل في حروب دموية ومواجهات عسكرية مع المعترضين لإمامته من جهة، ومع الأتراك من جهة أخرى حتى خرج الأتراك من اليمن بعد خسارتهم في الحرب العالمية الأولى.

بعدها استفرد بالحكم وعمد إلى استئصال معارضيه وحتى الداعمين له من مشائخ القبائل خوفا منهم، وعاشت اليمن ما تبقى من عهده في إنغلاق تام وجهل وظلم بينما كانت دول الجوار تشهد تقدماً في مختلف المجالات، حتى اندلعت ثورة 48 الدستورية عام 1948م وقتل الإمام يحيى على إثرها.

ثم جاء ابنه أحمد الذي استطاع بذكائه وحنكته الالتفاف على ثوار 48 وفتك بهم، وبعد حروب دامية استطاع أن ينتزع الحكم من الهادي عبدالله بن أحمد الوزير الذي كان قد أعلن نفسه إماماً بعد مقتل الإمام يحيى.

قتل بالسم

«بعد حرب الزرانيق التي استمرت عامين انتصر عليهم أحمد يحيى حميد الدين واستباح لجنوده كل شيء يخطر ببالك في ديارهم. نهب الأموال ثم جمعها في بيت الفقيه واستباح النساء، ثم جمع من سلم من القتل أسرى يساقون في سلاسل الحديد واختار 800 من أعيانهم واقتادهم إلى سجن حجة، وهناك أراد أن يعمل فيهم السيف بساحات المدينة دفعة واحدة، ولكن مشيراً عليه خوفه من أبيه؛ إذ كان يحيى لا يحب أن يقتل خصومه جهرة أبداً، بل كان يلجأ إلى الاغتيال بالسم والوقيعة، فوكل أحمد بزعماء الزرانيق من يتعهدهم بالسم، فلم يمض عام حتى أجهز على ثمانمائة مقاتل لم يبق منهم إلا الشيخ سالم درويش الذي التقى بثوار 48م في سجن حجة وكان يروي لهم ما صنعه الطاغية بالرجال. وبعد حرب الصليل من بلاد الزيدية بتهامة ساق ألفاً وثلاثمائة مقاتل وكان مصيرهم كمصير الزرانيق».

شهوة القتل والتشفي في نفس الرجل كانت تدفعه إلى التجرد من كل مظاهر الإنسانية، فإذا أراد الفتك بإنسان تحت يده مد له في الأمل حتى يتوقع العفو ثم يفاجئه بتوقيع عقابه فيه، حتى أن أخويه عبدالله والعباس بعد ثورة 1955م لم يتحرج عن التصرف معهما هذا التصرف. أرسلا إليه يراجعانه ويطلبان عفوه وإطلاق سراحهما من سجن حجة، فكان جوابه: «أنتما لا تبقيان في الحبس غير يوم أو يومين»، وبعد يومين جاء إليهما أمر الطاغية لا بالإفراج ولكن بالسيف والنطع».

إحراق البيت وساكنيه

ومن صور طغيان الرجلين (يحيى وأحمد) أن «أحمد كان ولياً للعهد وأصدر أمراً لمدير المال أن يقدم له مبلغاً كبيراً، ورأى مدير المال أن يرجع إلى يحيى قبل التنفيذ، ورفض يحيى بما عهد عليه من بخل شديد، فما كان من أحمد إلا أن ذهب ليلاً إلى منزل مدير المال ومعه صفائح البنزين وصبها على المنزل من أطرافه وأشعل النيران في المنزل بمن فيه، واستمع يحيى إلى الخبر في سعادة وفخر أن وهبه الله خليفة بهذا الحزم».

إمامة أحمد حميد الدين الذي لم يتورع في سفك الدماء وتجهيل العامة والبطش والتنكيل بالشعب اليمني كانت الفصل الأخير من قرون الإمامة في اليمن، حيث اندلعت ثورة 26 سبتمبر عام 1962م التي قضت على دولة الإمامة، وأُعلنت على إثرها الجمهورية العربية اليمنية حينها.

الرافضي يحيى بن محمد الحوثي جد عبدالملك الحوثي كان يصرخ مع أنصاره بلعن وسب الصحابة في الجامع الكبير بصنعاء ويمنعون الناس من أداء صلاة العشاء، ويجولون في الشوارع يكيلون الشتائم للصحابة، ويرجمون البيوت ويشتمون الأحياء والأموات من مخالفيهم.

لا غرابة بأن يكون هذا هو جد عبدالملك وحسين الحوثي، فليس الخلف بأطهر من السلف!

انتهج الأحفاد الحوثيون نهج آبائهم الإماميين فقتلوا وسلبوا ونهبوا واغتصبوا وأحرقوا وفجروا المنازل ودمروا المساجد وانتهجوا تكفير كل من لم يؤمن باصطفائهم وووو …إلخ.

يؤكد محللون أن الوضع لم يتغير كثيراً، فقد سقطت الإمامة لكن لم تسقط الفكرة ما يحتم على أحفاد النعمان والزبيري وعبدالمغني مواصلة الدرب لاستئصال سرطان الإمامة الكهنوتي الطائفي العنصري التكفيري المعادي للحياة والبشرية جمعاء.

سبتمبرنت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى