الحراك التهامي .. صراع من أجل القضية

الرشاد برس ــ حمير الحوري

تعتبر القضية التهامية  إحدى القضايا الشائكة التي ظهرت في اليمن إبان الثورة كقضية مطلبيه وحقوقية, وقد مرت بمراحل عدة ومحن مختلفة وغالبا ما يكون حضورها عند وجود حالة انتهاك أو تهميش من قبل السلطة أو القوى النافذة بحق ابناء تهامة .

يعتبر النشطاء وكثير من سكان تهامة أن تهامة ليست ذات أولوية عند نظام الحكم في اليمن وقد تعرضت لانتهاكات على مستوى الأرض والإنسان فلم تلقى تنمية حقيقية على رغم أهميتها الجغرافية والاقتصادية للدولة .

إن ما أفرزته ثورات الربيع العربي من وعي حقوقي عام وتعزيز مفاهيم الحرية ورفض كل معاني الظلم وممارساته ألقى بثقله على القضية التهامية, وهو ما ولد حراك شعبي بدأ يأخذ حضوره بشكل لافت في الآونة الأخيرة أكثر من ذي قبل ليكون ” الحراك التهامي ” هو مكينة الفعل السياسي والحقوقي لهذه القضية .

الجدير ذكره أن نظام الحكم السابق في اليمن وبسبب السياسات الاقصائية وغير الجادة في إحداث التنمية ومحاربة الفساد ولد العديد من القضايا المطلبية والحقوقية على كامل الجغرافيا اليمنية, كان منها القضية الجنوبية والقضية التهامية كأبرز القضايا التي لا زالت حركتها وفاعليتها قائمة وفي تصاعد مستمر .

الحراك التهامي.. ومحاولات الوأد

الحراك التهامي نشأ كجهة ثورية تنادي بمطالب حقوقية خاصة بتهامة ويتركز تواجده في مدينة الحديدة, اتهم الحراك عند نشأته بولائه للرئيس السابق علي صالح وأنه يعمل لصالح حزب المؤتمر ” الحزب الحاكم” بسبب ما لاقاه من دعم سياسي من قيادات مؤتمريه في المحافظة في تلك الفترة, وبسبب أن القوى الفاعلة في الثورة آنذاك لم تستطع إيجاد صيغة تنسيق وتفاهم مشترك معه, كما يعتبر آخرون أن تأييد بعض قيادات الحراك  للمحافظ السابق لمحافظة الحديدة أكرم عطية والذي يعتبره البعض محسوبا على حزب المؤتمر والمتهم بتمثيله السلبي للقضية التهامية أحد الأدلة على ذلك التزاوج, وهو ما ينفيه الحراكيون بشدة  .

محمد السمان وهو أحد المتابعين عن قرب للحراك التهامي وأنشطته أفاد عكس ذلك  تماما ” وأن الحراك التهامي ولد من رحم القضية التهامية ومطالبة ليس لها ارتباط
 بأي كيانات لا تجعل هذه القضية وفق أولوياتها وبرامجها السياسية ” .

وأيا يكن فان الحراك التهامي خلال فترة النشؤ وما تلاها من مراحل استطاع أن يجعل من نفسه  قالبا ووعاء لكل ما يتعلق بالحقوق والمطالب السياسية المتعلقة بتهامة, فقاد الحراك حملات احتجاجية واسعة كان أكثرها متعلق بالأراضي المنهوبة وبمشكلة التهميش الوظيفي ومسألة الاقصاء السياسي لأبناء تهامة, كما قاد الحراك احتجاج واسع يطالب فيه الحكومة بوضع حد لشركات الاصطياد العالمية التي تصطاد في شواطئ تهامة وتسببت في خلق أزمة  اصطياد انعكست على البحارة من أبناء المناطق التهامية, كما حاول الحراك إدخال القضية التهامية في مؤتمر الحوار الوطني لكن محاولاته لم تنجح .
 
خسر الحراك عدد من القتلى وعشرات الجرحي  إثر مواجهات عديدة مع قوات الأمن واعتقل العديد من عناصره  بشكل متكرر, وكثير ما كان يتم تبادل الاتهامات بينه وبين الجهات الأمنية عن من يتحمل المسئولية عن بدء مثل تلك المواجهات التي غالبا ما يكون  ضحاياها من الطرفين .

ضد الميليشيات ..

كان لسقوط صنعاء بيد الميليشيات الحوثية وما تلا ذلك من محاولة تمدد لبقية المحافظات
 أثره السلبي على القضية التهامية إذ اعتبر الحراك التهامي دخول تلك الميليشيات
 لمحافظة الحديدة احتلال, وهو ما أكده الناطق الرسمي باسم الحراك التهامي
  احمد حسن عياش بقوله : ” لا معنى للتمدد الحوثي سوى الاحتلال ” .

وقد لاقت دعوة الحراك التهامي المعارضة لدخول الميليشيات محافظة الحديدة(معقل الحراك) استجابة واسعة حتى على مستوى المكونات السياسية للمحافظة, فنظمت مظاهرات حاشدة ترفض تواجد الميليشيات في تهامة , ازدادت وتيرة تلك الاحتجاجات لتنشب مواجهات مسلحة بين عناصر الحراك وميليشيات الحوثي خسر فيها الطرفين عدد من القتلى والجرحي .

سيطر الحوثيون على قلعة تهامة المجاورة لساحة الحراك التهامي وهو ما
 اعتبره الأخير استفزازا واضحا لقوى الحراك فنظم مسيرات واحتجاجات أكثر اتساعا, شارك  فيها الآلاف من مختلف مديريات المحافظة لتندلع المواجهات مجددا وتداهم الميليشيات عدد من بيوت قيادات الحراك التهامي,وتختتطف بعد ذلك القيادي البارز في الحراك الشيخ عبد الرحمن مكرم  .  
 
علاقة الحراك التهامي بالحوثيين في تأزم مستمر وتزداد تعقيدا بسبب الإصرار الحوثي على ممارساته التي يعتبرها الحراك استفزازية كسيطرته على قلعة تهامة واستقدامه لمقاتلين من خارج المحافظة وافتئاته على الدولة ومزاحمتها في النقاط والمؤسسات الحكومية كميناء المحافظة ذو الأهمية الاقتصادية الكبيرة .

تبدوا خيارات المواجهة  المسلحة حاضرة في ظل ما يعتبره الحراك تعند وتعدي مسلحي الحوثيين على القضية التهامية وعلى قيادات الحراك, يقول القيادي البارز في الحراك التهامي عبد الرحمن حجري : “انتهى الزمن الذي كنا نحمل فيه أغصان الزيتون في عالم لا يحترم الضعيف, لن نكون حمائم سلام في عالم ليس فيه للضعيف صوت ولا صدى ” ومع وجود هذا الخيار لدى الحراك بالإضافة إلى استفزازات الحوثيين لهم فان احتمالات تصاعد الاحتجاجات والرفض للحوثيين ستتسع بلا شك .

الحراك التهامي .. وجدل الاستراتيجية

على رغم الزخم الإعلامي الذي حضي به الحراك التهامي  إلا  أن الرؤية النهاية لقضية الحراك التهامي ومستقبله لم تتبلور بعد وان الاطلاع على أهدافه ورؤاه لم تصل إلى جمهوره المعني بالقضية بشكل واضح, فقدرة الحراك على الحشد الجماهيري في نظر متابعين  تعتبر ضعيفة إذا ما قيست بحجم القضية وهو ما يعزز القول بأن  أدبيات الحراك لم تصل إلى الجمهور المعني بالشكل المطلوب .

غير أن الممارسة الحقوقية والسياسية للحراك ستكسبه دربة أكثر في طبيعة التعامل مع خصومه وستساعده في بلورة روئ ومواقف أكثر نضجا وملائمة لحجم القضية, إن تصدر الحراك التهامي لقضايا أبناء تهامة ومدى فاعليته في رفض الميليشيات الحوثية التي يعتبر البعض أن التصدي لها من قبل الحراك دليل آخر وقوي على  استقلاليته ومصداقيته في الدفاع عن حقوق تهامة وأبنائها وهو ما سيكسبه شعبية واسعة وحضور جماهيري عريض .

تظل القضية التهامية إحدى المسائل الحقوقية المهمة والتي تتطلب من أي فصيل يتصدر لها أن يلتزم بجملة من الاعتبارات التي لا بد منها لتحقيق تقدم ملموس لصالح القضية من هذه الاعتبارات :

ــ أن تتحول القضية من وعي النخبة والفاعلين إلى وعي الجمهور لتكون لها حاضنة شعبية ضاغطة  في اتجاه القضية بشكل ايجابي, وهذا يتطلب نشاط إعلامي مؤثر وموجه .
ــ تلعب القيادة دور كبير في نجاح القضية بما تملكه من “كاريزما ” التأثير الجماهيري وتقديم التضحيات وبقدر وجود ووفرة هذا النوع من القادة يكون النجاح .
ــ إتقان موضوع التحالفات الداخلية, فأكثر ما يهدد القضية اليوم هو انخراط عدد من وجهاء تهامة مع ميليشيات الحوثي وتقديم قرابين الطاعة والولاء واعتبار ذلك حنكة سياسية! في حين لا تظهر خارطة تحالفات قبلية واسعة للحراك التهامي وهو ما يهدد مستقبله وإمكانية ديمومته بلا شك .