تقارير ومقابلات

قراءة تحليلية في مقال” تباين المواقف “للدكتور –محمد بن موسى العامري —

الرشـــــــــــاد برس | تقريـــــــــــــــر
أثار تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران موجة من التحليلات والقراءات المتباينة في أوساط النخب العلمية والثقافية والسياسية، خصوصًا في الدول العربية، ومن بينها اليمن. ويأتي هذا التباين نتيجة لاختلاف الخلفيات العقدية والسياسية، وارتباط كل فريق بمخاوفه التاريخية والحاضرة، في ظل غياب مشروع عربي وإسلامي موحد يُحدد بوصلة الأولويات والمصالح الجماعية.
وفي خضمّ ما يشهده العالم من أحداث متسارعة، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط، يأتي مقال الدكتور محمد بن موسى العامري “حفظه الله “بعنوان “تباين المواقف” ليشكّل مساهمة نوعية في قراءة المشهد السياسي والديني الراهن، لا سيما في ما يخص الصراع المحتدم بين إسرائيل وإيران، وتباين مواقف النخب الإسلامية إزاء هذا الصراع.
تميز المقال برؤية مركّبة تجمع بين التحليل السياسي الرصين، والتقييم العقدي العميق، في توازن قلّما نجد له نظيرًا، مما يجعل المقال مادةً غنية للتحليل والفهم، ومرجعًا معتبرًا في مقاربة هذا النوع من القضايا.
* نقاط الاتفاق:
يقسم الكاتب الدكتور -العامري – مقاله إلى ثلاثة محاور رئيسية، عالج من خلالها رؤى النخب حول الحرب بين إسرائيل وإيران.
في هذا المحور، يؤسس الكاتب لما يمكن تسميته “أرضية التفاهم العامة” بين النخب الفكرية والسياسية، وأهم عناصرها:
1. خطورة المشروعين معًا: يتفق الجميع على أن إسرائيل وإيران تمثلان مشروعين توسعيين يشكلان خطرًا حقيقيًا على الأمة العربية والإسلامية، بفعل سياساتهما العدوانية، وتاريخ طويل من الجرائم والانتهاكات بحق شعوب المنطقة.
2. رفض تفرد أحد المشروعين بالهيمنة: تُجمع غالبية الآراء على أن انتصار أحد المشروعين وهزيمة الآخر سيكون له تداعيات كارثية، إذ إن تفرد قوة توسعية بالقرار الإقليمي والدولي يُنذر بمزيد من القهر والانتهاكات.
3. الترحيب بصدام المشروعين وتحييدهما معًا: يُنظر إلى التناطح بين الطرفين كفرصة لإضعاف كلا المشروعين، وهو أمر يُرحب به لدى شريحة واسعة، باستثناء من يؤيدون أحد الطرفين بدافع طائفي أو سياسي.
* نقاط الاختلاف:
في هذا القسم، عرض الكاتب”حفظه الله ” تباين النخب حول من هو العدو الأكثر خطورة؟
هل هو المشروع الصهيوني المرتبط بالغرب؟ أم المشروع الإيراني الصفوي المرتكز على عقائد منحرفة وطموحات توسعية؟
ويتلخص الخلاف في تقدير من الأكثر خطورة في حال تفوق أحد المشروعين على الآخر، وينقسم إلى اتجاهين رئيسيين:
أ. أولوية التصدي للمشروع الصهيوني:
يرى هذا الفريق أن تفرد إسرائيل، مدعومة بالتحالف الصليبي الغربي، يُنبئ بحقبة قمعية جديدة تعزز الهيمنة الغربية، وتفرض التطبيع قسرًا، وتزيد من وتيرة الاستعمار الجديد في المنطقة.
ويُحذر أنصار هذا الرأي من توسع أطماع إسرائيل في دول مثل تركيا، باكستان، ودول الخليج، بعد القضاء على إيران.
ب. أولوية التصدي للمشروع الصفوي الإيراني:
يعتبر هذا الاتجاه أن تفرد إيران، ذات العقيدة الرافضية المؤدلجة، هو الأخطر، نظرًا لعقيدتها المعادية لأهل السنة، وسلوكها التوسعي الذي اتضح في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن.
يشيرون إلى البعد العقائدي المتطرف، من غلو في الأئمة، واستغاثة بغير الله، وتكفير للصحابة، وتاريخ من استهداف المقدسات الإسلامية.
ويرون أن إيران تتقن الخداع السياسي والديني باستخدام “التقية”، مما يجعلها أكثر قدرة على اختراق المجتمعات المسلمة من الداخل.
* مساران في التفكير والتحليل
. مسار التركيز على العدو الخارجي (إسرائيل والغرب):
يُعلي من شأن القضية الفلسطينية ويعتبر المشروع الصهيوني امتدادًا للمشروع الغربي – الصليبي.
يغض الطرف نسبيًا عن جرائم إيران في المنطقة، ويُبررها بأنها دولة “إسلامية” في الجملة، ويستند أحيانًا إلى فتاوى مقارنة بين عقائد اليهود والرافضة.
2. مسار التركيز على العدو الداخلي (إيران ومليشياتها):
يربط بين الانحراف العقدي والسلوك السياسي التوسعي للدولة الإيرانية.
يرى في المشروع الصفوي خطرًا مباشرًا، دمويًا، وعنصريًا، يستهدف المجتمعات السنية من الداخل، ويعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي والطائفي في الدول العربية.
يعتبرون الشعارات الإيرانية تجاه فلسطين مجرد وسيلة لتبرير التمدد والبطش.
* تقدير الخطر مرهون بالسياق الجغرافي:
يؤكد المقال في خلاصته أن اختلاف التقديرات بين الأطراف يعود إلى البيئة الجغرافية والسياسية لكل بلد. فمخاوف الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني تختلف جذريًا عن مخاوف اليمني أو العراقي أو السوري، الذين تجرعوا ويلات المليشيات المدعومة من إيران.
الطرفان، بحسب المقال، قاتلان ومجرمان بحق المسلمين، ولا يمثل أي منهما مصلحة حقيقية للأمة.
كما يحذر من الاصطفاف مع أي طرف في هذا الصراع، مؤكدًا أن ما يجري بين المشروعين هو جزء من سنن الله في إنزال العقاب بالظالمين، وأن الاصطفاف الأعمى فيه قصور في الرؤية الشرعية والسياسية.
*إشادة لابد منها:
يُعد الدكتور — محمد بن موسى العامري– ” حفظه الله “من الأصوات الفكرية المؤثرة التي تجمع بين الرؤية الشرعية الأصيلة، والفهم السياسي الواقعي.
وقد تميز مقاله بما يلي:
عمق في التحليل دون الوقوع في التعميم.
جرأة علمية مسؤولة في تشخيص المخاطر العقدية والطائفية.
نقد متوازن وموضوعي دون شطط أو تهويل.
اعتماد مقارنات دقيقة بين مواقف النخب والمجتمعات المختلفة.
لغة علمية رصينة مزيّنة بالاقتباسات القرآنية والتاريخية
إن مقال “تباين المواقف” يُعد نموذجًا ناضجًا لما يجب أن تكون عليه الكتابة التحليلية في زمن الفتن والتعقيد الجيوسياسي.
وليس مجرد طرح رأي، بل هو بناء معرفي متكامل يستحق أن يُقرأ، ويُدرّس، ويُناقش في الدوائر الفكرية، والمنتديات الثقافية، وصالونات النقاش الشرعي والسياسي.
ولعلّ أبرز ما خلُص إليه المقال هو التحذير من الاصطفاف مع أي من المشروعين المتصارعين، والدعوة إلى بناء مشروع إسلامي جامع يراعي المخاطر، ويُعيد البوصلة إلى عقيدة الأمة ومصلحتها العليا.
ويُعد المقال رؤية فكرية معمّقة، تدعو إلى النظر إلى الصراعات من زاوية المصلحة الإسلامية العامة، بعيدًا عن التحزبات السياسية أو الطائفية. ويركز على أهمية إدراك أبعاد الخطر العقدي، لا سيما حينما يُغلف بثياب المقاومة والممانعة.
ويرى أن السبيل الأمثل يتمثل في بناء مشروع عربي-إسلامي جامع، قادر على تحديد الأعداء الحقيقيين، والأولويات الاستراتيجية، بعيدًا عن ردود الأفعال، والانخداع بالشعارات العابرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى