عرفة.. يوم الحج الأكبر فضائله ومآثره
الرشاد برس -تقرير
مع بزوغ شمس اليوم الخميس،التاسع من ذي الحجة، بدأ حجاج بيت الله الحرام في التدفق إلى صعيد عرفات، لأداء الركن الأعظم من أركان الحج، وهو الوقوف بعرفة، بعد أن قضوا يوم التروية في مشعر منى. هذا اليوم يمثل ذروة الشعائر ومركزها، ومناسبة عظيمة تتجلى فيها معاني الإيمان والتجرد والخضوع لله تعالى.
الركن الأعظم:
الوقوف بعرفة هو أعظم أركان الحج، حتى قيل فيه: “الحج عرفة”، ومن فاته الوقوف في هذا اليوم فقد فاته الحج، لما في هذا اليوم من فضل ومكانة ومنزلة عند الله تعالى. وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن عرفة كلها موقف، فيجوز للحاج أن يقف في أي جزء من صعيدها داخل الحدود المعروفة، دون اشتراط الوقوف في مكان بعينه.
الوقوف لا يعني الوقوف البدني فقط، بل المقصود هو الحضور في عرفة، ولو كان الحاج جالسًا أو مستلقيًا، ويبدأ الوقوف من زوال شمس اليوم التاسع حتى غروب الشمس. ويُسن للحاج أن يصلي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا في وقت الظهر، تأسّيًا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يتفرغ للدعاء والذكر
يوم عرفة هو اليوم المشهود الذي أقسم الله به في سورة “البروج”، في قوله تعالى:
“والسماء ذات البروج، واليوم الموعود، وشاهد ومشهود”.
وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الذي رواه الترمذي، بأن “اليوم المشهود” هو يوم عرفة، مما يدل على عظمة هذا اليوم عند الله تعالى.
كذلك يُعتقد أنه “الوتر” في قوله تعالى: “والشفع والوتر” (الفجر: 3)، حيث قال ابن عباس: “الشفع يوم النحر، والوتر يوم عرفة”.
فضائله:
وردت في فضل يوم عرفة أحاديث كثيرة صحيحة، تبرز منزلته وتُعلي مكانته:
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة” (رواه مسلم).
وقال أيضًا:
“إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء” (مسند أحمد وصحيح ابن حبان).
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم حال الحجاج بقوله:
“انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثًا غبرًا ضاجين، جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي”، في مشهد إيماني تتجلى فيه معاني التوبة والخضوع، وقد رُوي كذلك أن الشيطان في يوم عرفة يكون “أصغر وأدحر وأغيظ مما يكون فيه”، لما يرى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب.
يوم الدعاء:
هذا اليوم المبارك هو يوم الدعاء بامتياز، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
“خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير” (رواه الترمذي).
ويستحب الإكثار من هذا الذكر، ومن الدعاء بالمغفرة، والرزق، والتيسير، وسائر الحاجات.
فضل صيامه:
من أبرز خصائص هذا اليوم أن صيامه يكفّر سنتين من الذنوب؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم:
“صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يُكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده” (رواه مسلم).
ويُقصد بذلك صغائر الذنوب، أما الكبائر فلابد لها من توبة خاصة. أما الحاج، فلا يُستحب له الصوم في هذا اليوم حتى يكون أقوى على الدعاء والذكر.
التكبير والذكر:
يُستحب في هذا اليوم الإكثار من التكبير، وله نوعان:
1. التكبير المطلق: ويبدأ من أول أيام ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق، ويُقال في كل وقت.
2. التكبير المقيّد: يبدأ من فجر يوم عرفة، ويُقال عقب الصلوات حتى عصر اليوم الثالث من أيام التشريق (13 ذو الحجة).
وقد وردت عدة صيغ للتكبير، منها:
“الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد”.
“الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً”.
وينبغي الإكثار من الذكر بجميع أنواعه: التهليل، التسبيح، الاستغفار، الدعاء، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
يوم المباهاة والرحمة:
يروي أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، في خطبته بعرفة:
“إن الله غفر لأهل عرفات وأهل المشعر، وضمن عنهم التبعات”، فسأله عمر بن الخطاب: “أهذا لنا خاصة يا رسول الله؟”، فقال:
“بل هذا لكم ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة”.
وهذا يدل على أن هذا اليوم ليس للحجاج وحدهم، بل هو موسم خير للمسلمين كافة، في مشارق الأرض ومغاربها، يتقربون فيه إلى الله بذكره، وصيامه، ودعائه، وطاعته.