100 يوم من وعود السلام: ترامب يعمّق الأزمات ويدعم التوترات
الرشاد بـــــــــــــــــــــــــــرس ــــ دولــــــــــــــــــــــــــــــــــي
بينما يستعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإلقاء خطاب في ولاية ميشيغان يستعرض فيه أبرز ما أنجز خلال أول 100 يوم من ولايته الثانية، تبدو حصيلة وعوده الطموحة لإحلال السلام العالمي مثقلة بالانتكاسات والإخفاقات، لا بالإنجازات التي وعد بها خلال حملته الانتخابية التي رفعت شعار “السلام خلال أيام”.
من الإبادة الجماعية في غزة إلى النزاع الروسي الأوكراني، لم تفلح تحركات ترامب في انتشال الملفات الشائكة من تعقيداتها بقدر ما أثارت جدلاً واسعاً، وفاقمت حالة الاستقطاب الداخلي والخارجي.
مقترحات التهجير
بدأ ترامب ولايته الثانية بتحرّك استباقي لمحاولة إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ففي يوليو/تموز 2024، وقبل دخوله البيت الأبيض، أجرى لقاءً غير رسمي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منتجع مارالاغو، تبعه تعيين رجل الأعمال ستيف ويتكوف مبعوثاً خاصاً إلى الشرق الأوسط.
ورغم افتقاره للخبرة السياسية، قاد ويتكوف مفاوضات ماراثونية أفضت إلى اتفاق هدنة وتبادل أسرى عشية تنصيب ترامب، وُصف بأنه “اختراق دبلوماسي محدود” لكنه ساعد مؤقتاً في تهدئة جبهة غزة.
لكن هذا الإنجاز سرعان ما تهدّد، بل انهار كليًا في مارس/آذار 2025، عقب سلسلة غارات إسرائيلية مكثفة وردود فعل فلسطينية متوترة، ما أعاد النزاع إلى نقطة الصفر.
وزاد الطين بلة طرح ترامب لخطة “ريفييرا الشرق الأوسط”، التي تقضي بتهجير سكان غزة، ووضع القطاع تحت إدارة أميركية مؤقتة، تمهيداً لتحويله إلى منطقة تنموية. الخطة قوبلت برفض دولي حاد، ووصفتها منظمات حقوقية بأنها تمثّل “تطهيراً عرقياً”، فيما رحب بها نتنياهو واعتبرها “رؤية مبتكرة”.
استطلاعات الرأي داخل الولايات المتحدة عكست كذلك انقساماً حاداً: 62% من الأميركيين رفضوا الخطة، في حين دعمها 15% فقط. كما أظهر استطلاع آخر أن 53% من الأميركيين غير راضين عن تعاطي ترامب مع ملف غزة.
أوكرانيا: مفاوضات تحت الضغوط
في الملف الروسي الأوكراني، لم تختلف مقاربة ترامب كثيراً. فبينما ادعى امتلاكه القدرة على إنهاء الحرب “بسرعة”، اتسمت تحركاته بإقصاء كييف من المشاورات المبكرة، والتقارب مع موسكو.
بدأت القصة باتصال هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعقبه اجتماع رفيع المستوى في الرياض بين وزيري خارجية البلدين. لكن ما أحرج ترامب دبلوماسياً كان غياب الجانب الأوكراني، وهو ما دفع كييف لإدانة المبادرة الأميركية ورفض نتائجها.
بلغ التوتر ذروته خلال زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لواشنطن، والتي انتهت بمشادّة علنية في البيت الأبيض، تبعتها قرارات أميركية بتعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا، ما أثار تساؤلات حول جدية واشنطن في دعم حلفائها الأوروبيين.
حتى الاتفاق المبدئي لوقف قصف منشآت الطاقة في مارس/آذار لم يصمد، إذ تجاهلت موسكو التنسيق مع واشنطن، وأعلنت هدنة أحادية من طرفها، ما اعتبره مراقبون “إهانة” دبلوماسية.
وعود اصطدمت بجدران الواقع
وفق تحليل أعده مركز “كارنيغي” للأبحاث، فإن فشل ترامب في تحقيق اختراقات حقيقية يعود إلى:
ميله إلى التعامل مع النزاعات المعقدة كصفقات تجارية.
إقصاء الأطراف الأساسية من المفاوضات.
الاعتماد على شخصيات غير دبلوماسية في ملفات تحتاج إلى حنكة سياسية عالية.
انحياز واضح لأحد أطراف النزاع، سواء في غزة أو أوكرانيا.
تظهر استطلاعات مركز بيو أن 43% من الأميركيين يرون ترامب “يميل بشكل مفرط إلى روسيا”، في حين أعرب 41% فقط عن رضاهم عن تعامله مع النزاع في غزة.
بين الطموح والتراجع
رغم الانتقادات، لا يزال ترامب يبدي تفاؤلاً بإمكانية التوصل إلى تسوية في أوكرانيا، مدّعيًا أن معظم النقاط تم الاتفاق عليها. لكن الوقائع على الأرض، واستمرار الغارات على غزة، والتباعد بين كييف وواشنطن، تشير إلى أن السلام لا يزال أبعد ما يكون عن التحقق.
في خطابه المرتقب، سيحاول ترامب عرض جهوده بوصفها خطوات شجاعة نحو عالم أكثر أمناً. غير أن الوقائع تشير إلى أن “سلام الأيام الأولى” الذي وعد به الرئيس الأميركي بات رهينة حسابات القوة، والانحياز، والصفقات المؤجلة.
خلاصة:
بعد 100 يوم، يتضح أن إدارة ترامب الثانية لم تفلح في تحقيق السلام، بل ساهمت في تعقيد الأزمات الدولية. وعوده الانتخابية الكبيرة وجدت أمامها واقعاً صلباً، أجهض معظم المبادرات، وترك الشعوب المتأثرة بالصراعات أمام مستقبل غامض.