ازدواجية المعايير والأحكام في حياة البشر ..!!
بقلم /إبراهيم ناصر الجرفي
عادةً عندما يتم الحديث عن عالم الجريمة ما تتوجه الأنظار نحو أصحاب الجراثم الشخصية الفردية ، وعادةً ما يتم النظر إليهم بإزدراء وتقزز ونفور بسبب الجرائم التي ارتكبوها مهما كانت صغيرة ومحدودة ، ومهما كانت الظروف التي دفعتهم أو أجبرتهم لارتكاب تلك الأعمال السلبية ، فكثير من اللصوص لا يلجأون للسرقة إلا للحاجة والضرورة خصوصا في المجتمعات الفقيرة ، التي لا يجد العديد من أفرادها قوت يومه ، فيلجأون للسرقة لتوفير لقمة العيش للبقاء على قيد الحياة ، ولكن يتم إدراجهم ضمن اللصوص ويتم التعامل معهم على أنهم يشكلون خطر على المجتمع دون مراعاة لظروفهم ، وأنا هنا لا أبرر مثل هذه السلوكيات فالسرقة تظل سرقة على كل حال ، ولكنني أحاول أن أوضح إزدواجية معايير نظرة المجتمع ، بين اللصوص البسطاء والصغار الذين يسرقون الفتات وللضرورة في كثير من الأحيان ، وبين اللصوص الكبار الذين ينهبون المليارات بغرض التباهي والفخر وتجميع الثروات الطائلة ، وللأسف قد يقوم اللصوص الكبار بملاحقة ومعاقبة اللصوص الصغار ومحاسبتهم ومحاكمتهم ، وهنا تكمن الازدواجية في المعايير في حياة المجتمعات البشرية في أبشع صورها ..!!
وكذلك الحال بالنسبة لجرائم القتل والاعتداء ، نشاهد الدنيا تقوم وتقعد وتتحرك الاجهزة الأمنية والقضائية عند حدوث جريمة قتل فردية بغض النظر عن مسبباتها ودوافعها ، وهي بكل المقاييس جريمة مدانة ومنكرة ، وعندما يقوم القادة السياسيون والعسكريون عبر التاريخ البشري بالتوجيه بقتل الالاف وعشرات الألاف وحتى مئات الإلاف والملايين من البشر ، سواء في مغامراتهم العسكرية أو خلال خوض حروبهم التوسعية والاستعمارية أو في حال قمع المعارضين لحكمهم ، أو مواجهة الخارجين ضد استبدادهم وطغيانهم ، والمطالبين بحقوقهم وحرياتهم ، لا تنطبق عليهم صفات الإجرام والقتل بل في أحيان كثيرة تطلق عليهم صفات البطولة والشجاعة ، فهذا هتلر الذي تسبب في قتل أكثر من 30 مليون إنسان لو لم يتعرض للهزيمة لكان اليوم بطل وطني وفاتح عظيم في أوروبا ، وهناك الكثير الكثير من أمثال هتلر في كل زمان ومكان ، في مشهد يعكس ازدواجية المعايير في قراءة الأحداث والأفعال ، فالضعفاء المساكين والمواطنين البسطاء الذين لا سند لهم ولا ظهر يحميهم تطبق عليهم القوانين وتنفذ ضدهم الأحكام حتى وإن كانت جائرة وظالمة ، والقيادات السياسية والعسكرية يمارسون أبشع الجرائم والانتهاكات ولا حسيب ولا رقيب ولا قانون ولا هم يحزنون ، فهم القانون وهم الحكام وهم أصحاب القرار يبريئون من يشاؤون ويدينون من يشاؤون ..!!
وكم هو محزن ومؤلم تلك المشاهد الحافل بها التاريخ البشري قديماً وحديثاً ، عندما يحاكم الجلاد الضحية ، وعندما يكون الجلاد هو من يصدر الأحكام الجائرة ضد الضعفاء والمساكين وضحايا بطشه وطغيانه وإجرامه واستبداده ، كل ذلك بسبب ازدواجية المعايير والفهم الناقص لقراءة الأحداث والأفعال ، ونتيجة تمكن الحكام والسلاطين عبر أعوانهم وأبواقهم الإعلامية من تزييف الوعي المجتمعي من خلال تحويل جرائمهم وانتهاكاتهم وتجاوزاتهم إلى بطولات وانجازات وانتصارات مظفرة ، وهم يجهلون أن القدرة الإلهية ليست عاجزة عن إيقافهم عند حدهم ، ولكن الله تعالى يمهل ولا يهمل ، حتى إذا وصل الظالمون والطغاة إلى قمة جبروتهم وطغيانهم وغطرستهم وظنوا أن لن يقدر عليهم أحد ، أخذهم جل شأنه أخذ عزيز مقتدر ، وجعلهم عبرة لمن لا يعتبر ، وأذاقهم الذل والخوف والهوان والعذاب جزاء جرائمهم الفظيعة ، فإذا كانوا قد غرروا وغالطوا وضللوا على الناس فإنهم أعجز وأضعف من التغرير والتضليل على الله تعالى ، فجرائمهم مسجلة وموثقة ومحفوظة والجزاء والعقاب في القانون الإلهي من جنس العمل ، القانون الإلهي العظيم الذي تسقط عنده معايير الازدواج والتضليل والتزييف والخداع ، القانون الإلهي الذي توعد الظلمة والطغاة في كل زمان ومكان بالزوال والهلاك والخزي والعار ..!!