مقالات

الحرائق العظيمة هل هي من علامات فساد واختلال الكون؟

بقلم الشيخ الدكتور /عبدالوهاب الحميقاني *
الله خلق هذا الكون
وخلق كل ما فيه
من تكاثر وتجدد وتلاشي وتبدد
وتفاعل وانحسار وتمدد
حتى رمشة العين وما لايدركه الطرف
جعله الله يحدث ويتغير وينعدم
بأسباب قدرية كونية طبيعية مادية
وفق قانون العلة (السببية)
أي المؤثر والتأثير
ومن ذلك
ما نراه من اختلال الأرض والحياة
بالكوارث الكبرى
كالحرائق والزلازل والبراكين والصواعق والرياح والأعاصير والأمطار والفيضانات ..إلخ
فكلها وغيرها تحصل وفق أسباب طبيعية وأخرى بشرية
تؤثر فيه
يعرفها المختصون في ذلك
ويدرك العامة بعضها
لكن ذلك كله لا يخرج عن تدبير الله وأمره
وما ينتج من كوارث عن هذا الاختلال الكوني
يصيب البشر بلا تمييز بينهم لأجل دين أو معتقد أو سلوك من حيث الأفراد
بل المصائب والكوارث والفتن تعم
الجميع الصالح والطالح
لكن لا يعني أن سلوك البشر المنحرف
ليس له أي علاقة مباشرة أو تسببية ترابطية مع غيرها
بهذا الاختلال وهذه الكوارث
فالعقل والحس والفطرة والدين
كلها تقرر
أن هذا الكون بكل ما فيه مترابط وفق قانون دقيق تكاملي ترابطي متقن لا ينفك بعضه عن بعض
وكل شيء فيه يتأثر بالآخر ولو بشكل غير مباشر
فمثلا كأس الشاي
الذي ترتشفه الآن
إذا نظرت إليه مجردا
ربما ظننت أنك الوحيد المؤثر فيه أو أنت و زوجتك فقط المتسببين في إيجاده
لكن عندما تمعن النظر والعقل في كل مكون من مكونات كأس الشاي
نحو السكر الهيل والزر والماء والنار والكأس والدلة وووإلخ
ستجد أن كل واحد منها
ما تواجد عندك إلا بتأثير سلسلة من العوامل والأسباب والعلل والأفعال الطبيعية الفلكية والأرضية البرية والبحرية الحيوانية والبشرية
ابتداء من حركة المجرات والأفلاك والشمس إلى عملية البناء الضوئي والزراعة إلى عملية الصناعة والتجارة والنقل والتخزين ووو وإلخ
مع ما في كل محطة من أسباب وعوامل لا تتناهى
من حركة المجرة إلى حركة الدلة
إلى أن تحركت شفتاك برشفة الشاي
فهذه الرشفة
ما كانت لتحصل لولا ملايين الأسباب والعوامل المترابطة والمتداخلة التي أثرت فيها بشكل تكاملي متداخل و مترابط ومتقن
وفق قانون السببية في هذا الكون
وعليه فإن هذا الكون هو سفينة كل البشر
يؤثرون فيه ويتأثرون به
وكل ما أخل بنو الإنسان في عمرانه
وخرجوا عن فطرتهم مع أنفسهم أو مع
غيرهم في ما يتعلق بالكون والطبيعة والبيئة والحياة والقيم والأخلاق والمعاملات
تسببوا في وجود أثر من آثار الفساد والاختلال في هذا الكون
فكل إنسان
فعله وحدثه السلبي وكذا الإيجابي
مؤثر في غيره وفي هذا الكون
فالسلبي خارق للسفينة
بتراكمه وتكامله وترابطه مع غيره
من الأفعال السلبية للخلق الآخرين
والتي مثلا
أثرت في حرارة الجو للكرة الأرضية
وتسببت في ازدياد وتسارع اشتعال الحرائق بشكل غير مسبوق
لأن
الحرائق والفيضانات والأعاصير
ترتبط بارتفاع الحرارة للأرض
المرتبط بثقب الأوزون المرتبط بالنمو الصناعي
فمثلا
النمو الصناعي و الجشع والمخل بحقوق البيئة
مرتبط بتنافس السوق
وهذا مرتبط بطلب المستهلك وتلبية حاجاته التي تضاعفت
بسبب سلوكه التبذيري والمعيشي غير المنضبط
فتجد أن سلوك الإنسان التبذيري المنحرف
تراكم وتداخل وترابط مع غيره من العوامل
مما أثر في اختلال طبيعة الكون
برفع درجة حرارته
وما تولد عن ذلك من حرائق
وربما يختل نظام الكون
بنحو حرائق وزلازال وغيرها
لأمر أراده الخالق سبحانه
قد يصعب علينا إدراك علته وسببه وحكمته
لكنه قطعا هو لحكمة
يعلمها الله
وقد يظهر لنا بعضا من الحكمة الربانية
من هذه الكوارث
كعقوبة المتجبرين
وإذاقتهم بعض ما أذاقوا المستضعفين
لعلهم ينتهون
وكتذكير للإنسان الضعيف
بعاقبة انحرافه في الدنيا
لعله يرعوي
وكتنبيه للناس جميعا
على التغيير والاختلال الكبير الذي سيحصل يوم القيامة
من نسف الجبال وتطايرها
واشتعال البحار وتسجرها
وانتثار الكواكب والنجوم وتلاطمها
وانشقاق السموات وتصدعها
وارتجاف الأرض وتزلزلها
إلخ
كمقدمة لتلاشي واندثار هذا النظام الكوني
استعدادا للقيامة الكبرى
والحشر الأعظم
للعرض والحساب
فيكون الإنسان
مستعدا لذلك اليوم
للدخول إلى عالم الأخرة بطوق النجاة
فمن الخطأ
ربط أي خلل في طبيعية الكون
لمجرد سلوك منحرف لشخص معين أو شعب بعينه
ومن الخطأ
أيضا فك تأثير سلوك بني الإنسان المنحرف عن التسبب في اختلال حياتهم وطبيعة كونهم
ولو بشكل غير مباشر
ومن الكارثة
عدم الإيمان بقدرة الله المطلقه
وأنه قد يعاقب المجرمين في الدنيا
قبل الآخرة
فهو سبحانه الجبار القهار القادر على كل شيء
غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ
إذن فقانون الطبيعة
يتأثر بعوامل منها سلوكيات البشر التراكمية المتداخلة مع عوامل أخرى طبيعية وغيرها
مما قد تكون سببا في اختلال وفساد هذا الكون
فضلا عن ما قد يقدره الله
لبعض خلقه من بلاء أو ابتلاء
من عنده
لحكمة بالغة
لا سيما حيث لا تغني النذر
وصدق الله الله جل جلاله في علاه

(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)

*الأمين العام لإتحاد الرشاد.اليمني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى