مقالات

تسييس الموالد

الرشادبرس_ مقالات

بقلم الشيخ .د/محمد بن موسى العامري_رئيس الهيئة العليا لإتحاد الرشاد اليمني

إحياء الموالد وتأصيل جوازها من زاوية التذكير بالسيرة النبوية والشمائل المحمدية – في ضوء ماهو حاصل – لايخلو من التلبيس والتسييس ، الذي لايخفى على العلماء المحققين الذين أكدوا عدم مشروعية هذه المناسبة وبدعيتها نظراً لعدم إحيائها في القرون الثلاثة المفضلة من جهة ، ولمعرفتهم بمناط وملابسات كثير من هذه المناسبات وما تشتمل عليه من التجاوزات والإنحرافات والتسييس من جهة أخرى ومن ذلك :-

أولا:- الغلو .

إنّ أحداً من العلماء المعتبرين – سواءً المتقدمين أو المتأخرين – لايقرُّ بما يحصل في كثير من المناسبات المولدية من الغلو والإطراء الذي نهينا عنه في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وغيره من باب أولى وقد صح عنه أنه قال في ماروه البخاري :- لَا تُطْرُونِي كما أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فإنَّما أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولوا: عبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ.

فالرسول عليه الصلاة والسلام له كامل المحبة على كل مسلم ، وعلامتها اتباع سنته ، ونشر مناقبه وسيرته ، والدفاع عنه ،والصلاة عليه ، وأما الغلو فيه بإحداث ماليس من هديه أو بدعائه وطلب الحوائج منه أو الاستغاثة به ، أو نسبة علم الغيب إليه ، أو جعله ندّاً لله أو نحو ذلك من إضفاء صفات الألوهية عليه فشرك بالله ، إذ الشرك يتجلى في صرف نوع من العبادة لغير الله .

ثانياً :- الإستغلال السياسي .

لقد حول الحوثيون ذكرى المولد النبوي إلى موسم للترويج الطائفي وحشد الناس حول طبقيتهم العنصرية بقصد استغلاله سياسياً وتوظيف العواطف الدينية لكسب الولاءات وترسيخ الولايات ، وبناء القداسات ، لابقصد تذكير الناس بسيرته العطرة عليه الصلاة والسلام والتأسي بأخلاقه الحميدة – فهم عنها بمنأى – وما نراه اليوم من الإعداد للتجمهرات واهدار النفقات العامة ، والطلاءات ، والدعايات خير شاهد على الهروب من الإستحقاقات إلى المتاجرة الرخيصة بالمقام النبوي لأغراض سياسية تتنافى مع جانب التوقير والإجلال لمنزلة النبوة ومكانتها والنزول بها من الرحمة العالمية إلى الشجرة العائلية وكفى بذلك تجنياً واستخفافاً .

ثالثاً :- الجبايات .

ومن الأمور المستقبحة لدى هؤلاء المروجين لمثل هذه المناسبات المولدية جعل هذه الذكرى ذريعة للسحت وللإثراء المادي ، وفرض الجبايات ، والأتاوات على الناس ، وأكل أموالهم بالباطل ، بحجة إحياء الموالد ومن يمتنع من السير في ركابهم ، والإنخراط في مشروعهم العنصري جعلوه متهماً في دينه وحبه لنبيه وفرضوا عليه أنواعاً من العقوبات .

رابعاً :- الوجاهات .

وآخرون في بعض مناطق اليمن يجعلون من المناسبات المولدية فرصة لخلق هالة من التعظيم على بعض الأسر وترسيخ الطبقية والعنصرية ، ويجعلون من هذه المواسم ذريعة لنفث قداستهم وتبرك الناس بهم ، واستدرار الهبات والصدقات والتبرعات بذلك والتذكير بمزاعم الكرامات ، والحكايات عن شيوخهم ونحو ذلك من أنواع الهرطقات المنافية للشرع والعقل ، مع زعمهم تلقي العلوم عن وسائط مخصوصة بحجة انتسابهم وصلة قرباهم من رسول الله عليه والصلاة والسلام، وأنهم قد توارثوا عنه ميراث النبوة في محيطهم العائلي مستغلين حالة الجهالة بالدين ،إذ العلم مبنيٌ على التعلم ، وبذل الجهد في اكتساب المعارف يستوي في ذلك جميع الناس ، وفي ما سلكوه من التحجير على مفهوم الرسالة الإسلامية العالمية لتختزل قداستها في محيط عنصري طبقي ما لايخفى على ذي لب قبحه

خامساً :- طقوس ومحدثات .

لقد تميز الإسلام بشعائره الربانية ، ومفرداته التعبدية المأثورة ، بعيداً عن الرهبانية المدخولة والطقوس الحادثة ، إذ الدين أمر محكم ، وتوقيفي غير متروك لإضافة محدثات يقصد بها التعبد فما لم يكن ديناً ، وعبادة في زمن النبوة فمن المحال جعله ديناً بعدها لاكتمال الرسالة في عهد صاحبها عليه الصلاة والسلام ، ومن هنا تتجلى خطورة وتأثير التآمر المموّل ، لإماتة السنن وبعث المحدثات والبدع ، والترويج لها ، ونسبتها إلى دين الإسلام مع ترميز رؤوس البدعة لجعلهم قدوات ونماذج بغرض التأثير وصرف الناس عن التدين الصافي المستمد من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى خرافات ولطميات ورقصات ودوران حول القباب والمزارات ، والأضرحة ، ومناسبات وحفلات ودروشات ، وتقبيل الركب والأيدي ، والخضوع والتخشع بين يدي شيوخ الطرق ، والتمسح بلعابهم ونحو ذلك من الأمور المستهجنة التي تجعل كثيراً من الناس الذين يجهلون الإسلام – حال مشاهدتهم- لهذه النماذج الشوهاء والبلهاء ينفرون عن الحق ويصدون عنه صدوداً ويتمسكون بباطلهم ظناً أن مثل هذه المحدثات ذات صلة بدين الإسلام ، فيدفعهم ذلك إلى الإعراض كلياً عن هداية الإسلام وكفى بالبدع والمحدثات جناية وإعاقة عن سبيل الله .

اللهم اهدنا في من هديت

رئيس الهيئة العليا لإتحاد الرشاد اليمني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى