سيناريوهات ما بعد الضربة
بقلم / موسى المقطري
بداية ينبغي التأكيد أن الضربات الأمريكية البريطانية الأخيرة ليست حدثاً منفصلاً عن التطورات التي حدثت في اليمن ليس خلال الفترة القريبة لكن منذ قررت جماعة الحوثي المسلحة الاستيلاء على السلطة في العام 2014م واسقاط مقومات الدولة ، والذي بدوره ترك البلد في حالة فراغ سياسي وإداري كانت نتيجته الطبيعية تخلخل القدرة الحكومية في الحفاظ على سلاسة الحركة الملاحية في المياه في البحرين العربي والاحمر ، وحين النظر إلى ما تبع ذلك الانقلاب المشؤوم من تدويل القضية اليمنية ثم تدخل الإقليم عسكرياً في مهمة استعادة الشرعية والتي تعثرت بضغوطات المجتمع الدولى وتحديداً أمريكا وبريطانيا ، أضف إلى ذلك الغباء الحوثي في رفض مسارات السلام والتمسك بخيارات الفوضى ، كل ذلك كانت نتيجته ما وصلنا إليه من استباحة لمياهنا الإقليمية ، والذي تبعته استباحة للسيادة والتدخل العسكري بتوجيه ضربات لمواقع يديرها الانقلابيون الحوثيون.قبل الخوض في سيناريوهات ما بعد الضربة العسكرية من البديهي التأكيد أن هذه الضربات في الميزان العسكري ليست ذات جدوى لأسباب كثيرة أهمها افتقادها لعنصر المفاجأة ، واستهدافها لمواقع تمتلك قوة رمزية فقط دون أن تكون ذات أثر حقيقي في التأثير بمجريات الأحداث في البحر ، وهذا أمر أسوقه هنا فقط للتذكير مع أنه ليس ذو أهمية إلا بكونه أحد أدوات التنبؤ بالأحداث التي يمكن ان تتبع هذه الضربات التي ما كنّا نتمناهما ولن تجد القبول من اليمنيين لأسباب كثيرة ومتداخلة تخص السيادة وترتبط ايضاً بمدى جدية الامريكان والبريطانيين في اسقاط الانقلاب واستعادة الشرعية منذ مايقارب عقد من الزمن.
نحن في المحصلة أمام خيارين لا ثالث لهما الأول بافتراض أن الحوثيين سيقرأون المشهد الحالي بشكل جيد وسيعودون لقواعد الاشتباك المرسومة لهم من قبل ، وترتكز هذه القواعد على الاستمرار في إحداث فوضى في المنطقة دون تجاوز الخطوط الحمر التي تَشَارك في رسمها الامريكان والبريطانيون وإيران ، ويمكن ملاحظة أداء “حزب الله” في لبنان أثناء حرب الكيان الصهيوني على غزة كنموذج عملي لتطبيق قواعد الاشتباك المتفق عليها ولو ضمناً، وهذا النموذج أذكره فقط كدليل لمن ينكر وجود مثل هذه الاتفاقات ولو لم تكن معلنة.
في حال قرر الحوثيون التوقف عند هذه المرحلة فإن الوضع الطبيعي أن شبح الحرب في المنطقة والذي تلوح في الأفق حالياً يمكن لها أن تتراجع ولو لحين ، وهذا بدوره سينعكس على كثير من الملفات المطروحة حالياً وعلى راسها خطوات السلام التي كان من المزمع أن تنطلق خلال الفترة القريبة القادمة ، إلا ان هذه التطورات وقبلها تعنت الحوثيين كان سبباً كافياً لايقافها ، كما أن تخفيف التوتر وتجنب الدخول في حرب مفتوحة هو القرار الانسب بالنظر للحالة اليمنية سياسياً واقتصادياً ، ومن شان أي صراع أن يزيد الأوضاع سوءً ، وسيضيف المزيد من الأعباء على اليمنيين والذين يدلفون إلى العام العاشر من فوضى الانقلاب وإسقاط الدولة وبأضهرهم حملاً ثقيلاً من الخيبات والأوجاع سيجعلها أي صراع جديد في المنطقة مضاعفة.
في حال غلّب الحوثيون خيار التصعيد فإن النتيجة بالتأكيد ستكون مأساوية وأكثر قتامة ليس على اليمن فقط ولكن على كل الدول المشاطئة للبحر الأحمر ، مع الانتباه أن اليمن سيكون الخاسر الأول والأكبر باعتباره الساحة الأولى للصراع ، واقتصادياً سيتم تدمير ما تبقى من مقومات العيش لليمنيين ، وستعود حالات النزوح والتشرد من جديد مع أنها لم تتوقف لكن ستكون بوتيرة أكبر هذه المرة ، وسيكثف الحوثيون كعادتهم في الانتقام والتنكيل بمخالفيهم تحت مبرر الحرب ، وسيضاعفون حشد الناس وتجنيدهم تحت مسمى “مواجهة أمريكا واسرائيل” ليذهبوا بالمغرر بهم إلى محارق الموت في جبهات الداخل ، وهو ما يعني زيادة عدد اليمنيين الذين سيقتلون أو يصبحون جرحى ومعاقين ، وستزداد الكلفة التي تخلفها هذه المأساة وستتضاعف الأثار السلبية الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.
على الصعيد الإقليمي سيزداد تغول الأمريكان والبريطانيين في المنطقة وستكون سيطرتهم أكثر من أي وقت مضى تحت لافتة الصراع مع الحوثيين، وعلى سبيل المثال ستفشل محاولات دول المنطقة في تحقيق التوازن في علاقاتها السياسية والاقتصادية والتي بدت في الفترة الماضية عبر الإتجاه شرقاً نحو الصين وروسيا ، وهو ما يمكن أن يكون له أثر إيجابي لو تحقق لكن الأحداث التي من المتوقع أن يخلفها استمرار التصعيد سيجعل خيار التوجه شرقاً ملغياً أو مؤجلاً على الأقل ، وهذا بالتالي سيدخل المنطقة في عقود جديدة من هيمنة القطب الواحد.
إن الكلفة الاقتصادية والسياسية التي سيخلفها استمرار التصعيد لن تشمل اليمن وجيرانها فقط، بل ستمتد إلى المنطقة العربية ككل ، وإضافة لدول الخليج ستكون مصر أحد المتضررين الرئيسين باعتبار أن جزءً كبيرا من الاقتصاد المصري يعتمد على إيرادات قناة السويس التي ستتحول لممر مائي عسكري ليس ذا جدوى اقتصادية ، وهذا ما تريده الدول المهيمنة على الاقتصاد الدولي فهي بالتأكيد لا ترغب بأن تمتلك أيٍ من دول المنطقة العربية كفاياتها الاقتصادية ، كما أن التجارة والاقتصاد العالميين سيصابا بانتكاسة كتلك التي التي حصلت أثناء “جائحة كورونا” وهذا يعني انعكاساً سلبياً على كل الدول وخاصة العربية التي تعتمد كثيراً على اقتصاديات الدول الصناعية وتنعكس عليها كل التقلبات الدولية لتزيد الأوضاع فيها تدهوراً واحتقاناً.
اليوم ومن على مشارف حرب شاملة يمكن أن تنطلق في المنطقة هل سيغلّب الحوثيون المصالح الوطنية على نزقات السياسة الإيرانية التي تسعى لأكل الثوم بفم غيرها ، وهل يمكن لعقلاء السياسة أن يجنّبوا المنطقة والعالم تداعيات وآثار هذا الصراع الذي ستصل شراراته لكل القارات رضينا أو أبينا ، وهل سيدرك المجتمع الدولى نتائج سياسة المراضاة التي انتهجها مع الحوثيين منذ انقلابهم وحتى اليوم ؟
أسئلة ستجيب عليها القادم من الاحداث ، والأيام حبلى بالعجائب كما قالت العرب قديماً.