شلل العقل
الرشادبرس _ مقالات
بقلم د. عبد الوهاب الحميقاني _ أمين عام إتحاد الرشاد اليمني
في الحوار والنقاش والاختلاف العلمي يكون الحق في بعض القضايا جليا واضحا لا يحتاج لبرهان لأن الفطرة تنادي به والعقل شاهد عليه والوحي يقرره ويؤكد علية
لكن عندما تهيمن الخرافة و يفشو الجمود ويسود التقليد تفسد الفطر وتشل العقول وتعمى البصائر فيصبح البدهي الجلي موهوما خفيا محتاجا للإيضاح والبيان وحتى لو تنبه مشللول التعقل والتفكير لخطئه في قضية ما فلا يستطيع أن يخرج عنه
لأن هذا هو المألوف وهو الأصل الذي شب عليه صغيرا وشاب عليه كبيرا وتوالت عليه سنوات عمره وترتبت عليه حياته وشبكة علاقاتها
ففطامه عن هذا المألوف وانفصاله عنه مر صعب عسير لاسيما وهولا سنوات يتلقى هذه القضايا المغلوطة كقضايا مقبولة مسلمة لا تقبل النقاش بل ربما اعتبرها قضايا يقينية عقدية بدهية
بل استمر ينشرها ويعلمها ويقررها ويدرسها ويخطب بها في الناس ويدعوهم لاعتقادها وعندما وجدت ظروف عامة فرضت أن تجعل القضايا محكا للنظر والمراجعة وأن يلتفت إليها بنظرة برهانية لا نظرة تسليمية
مع هذا لم يعط نفسه فرصة ليكون إنسانا مفكرا في الأشياء متعقلا لها
كما خاطبنا القرآن في كثير من آياته فلا يريد أن يتوقف ولو مرة واحدة محاولا أن يعيد النظر في تلك القضايا بنظرة برهانية بدليل الوحي والعقل والفطرة لأنه يعتبر المراجعة تراجعا والثبات على الحق هو ثباته على الرأي الأول ولو أعطى لنفسه فرصة لإعادة النظر والبحث وعلم أن الثبات على الحق هو الدوران معه أينما دار وأدرك أن المراجعة ليست عيبا ولا ذنبا بل إن الله امتدح أهل النظر والتفكير والتعقل واستدامة ذلك
ولميز بين القضايا الوهمية المقبولة إلفا وتوارث او بين القضايا الضرورية الحقيقية المبرهنة ولن يقبل إلا ما صح ثبوته ببرهان
نقلي صحيح وعقلي صريح لكن الشلل العقلي هو المانع للكثير عن هذه الوقفة التجديدية الاستدلالية لا لقلة ذكاء بعضهم وعجزه عن التحصيل المعرفي وإنما يمنعه رهبة المراجعة والخوف من الخروج عن المألوف أما البعض إذا انضم إلى شلل عقله أسباب خاصة به كالضعف العلمي والاختلال المعرفي
والسلبيات الوجدانية النفسية والسلوكيات العصبية للرأي والجهات ازداد عمىً عن الحق الجلي وخبط خبط عشواء وأصبح لا يقرأ الأمور إلا بتصحيف ذهني يحتمه ما فيه من مألوف
وبهذا يعظم إصراره على الباطل الفاشي ويعسر شفاء شلله وعماه وأبرز الموانع التي تمنعه من وقفة المراجعات للمألوف بنظر برهاني وأكثرها أثرا عليه خشية🟪 ( لومة اللائم )🟪
أي معاتبة المحيط وضغط البيئة وثقل الإحراج ومراعاة أشخاص وجهات وخشية اختلال شبكة العلاقات إلخ
فأثرها على نفسه وتفكيره وتعقله أعظم من مغريات الدنيا والخوف من البطش ولذا نبه القرآن على ذلك مبينا صفات أهل الإيمان التي يلزمهم التحلي بها ومنها: {وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ}
وكم منعت لومة اللائم من قول حق وكم مررت من باطل وكم طمست من حقائق وكم ضيعت من حقوق
والمؤمن بحق هو الذي يسعى في كل قضية للحق ببرهانه النقلي والعقلي لا بالمألوف وبمقالات فلان وعلان متحريا للحق لا متشهيا للأقوال يبتغي رضا ربه ولو غضب عليه الناس فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم