نازلة لبنان رؤية سياسية شرعية
الرشادبرس_ مقالات
بقلم الشيخ /د. محمد موسى العامري _ رئيس الهيئة العليا لحزب الرشاد اليمني
نازلة لبنان الأخيرة تعتبر من أهم وأخطر الحوادث ،نظراً لتعقيداتها وتداخلاتها وآثارها التي تتجاوز لبنان إلى غيرها من المنطقة ، وقد تفاوتت المواقف حيال ما جرى في الأيام الماضية من الضربات التي تلقاها حزب الله ابتداءً من عملية ( البيجر ) وما حصدت من كوادر الحزب الأمنية والتنظيمية وانتهاءً بقصف الضاحية الجنوبية وما تلاها التي ذهب ضحيتها أمين عام الحزب حسن نصر الله وعدد من القيادات العليا ، ونظرة عامة حول ملابساتها يمكن الوصول إلى الآتي :-
أولاً :- مواقف الذين نظروا إلى الجهة الفاعلة للأحداث – الصهههاينة – ومن يساندهم ، حاصلها ، ضرورة التغافل وغض الطرف عن الجرائم التي ارتكبها – حزب الله – في سوريا ولبنان والعراق واليمن – مع التسليم – بأنّه الذراع المتولي لبقية الأذرعة الإيرانية في المنطقة نظراً لأسبقيته ولارتباطه الوثيق بالثورة الإيرانية مبكراً إذ تولى هندسة التأهيل والتدريب والتمويل لعناصر المليشيا في البلدان العربية فهو إذاً عرّاب إيران في المنطقة وأبو رغالها .
ثانياً :- مواقف الناظرين إلى الجهة التي تعرضت للفتك والإغتيالات وهي منظومة حزب الله -المرتبط بالمشروع الإيراني الصفوي – وأغلب الذين سلطوا الضوء من هذه الزاوية ، قد استندوا إلى معطيات واقعية تتجاوز مقارنة الأبعاد الدينية والطائفية إلى النظر في الآثار التخريبية والتدميرية التي قام بها المشروع الأيراني وأذرعته في المنطقة وأبرزها حزب الله والحوثيين والمليشيات العراقية وغيرها ، وحيال ذلك يمكن الإشارة لتجلية الأمر في نقاط :-
1 :- من الخطأ الجلي قصر النظر وتحديد المواقف من زاوية واحدة سواء من جهة غطرسة العدو الصههههيوني أو الصفوي الرافضي فالطرفان جميعاً قد أسرفا في عدوانهم بحق المسلمين وقد ولغ كل منهما في دماء المسلمين بما لا مزيد عليه في عالم الإجرام المعاصر منتهكين في ذلك جميع التشريعات السماوية والقوانين والمواثيق الدولية ، ولئن كان العدو الصهههيوني قد أسرف بحق الشعب الفلسطيني وسفك الدماء ودمر وشرد ومارس جميع الانتهاكات وآخرها جرائمه في غزة وأفاعيله فيها فالحال كذلك ليس ببعيد – وربما أشد – في المشروع الصفوي الإيراني الرافضي الوالغ في الدماء في العراق وسوريا واليمن ولبنان وما قام به من انتهاك الحرمات أمر يندى له جبين الإنسانية ولاينازع في ذلك متابع منصف .
2 :- مرد التباينات في قراءة المواقف غالباً مبني على قصور في الإجابة على ثلاثة أسئلة رئيسية :-
الأول :- أيُّ المشروعين أكثر ضرراً على الكليات الخمس ، الدين ، النفس ، العقل ، المال ، العرض ، والتساؤل على هذا النحو يعني التسليم بأن المشروعين يتضمنان مخاطر محققة على هذه الكليات بنسب متفاوتة ، ومن لايرى طرح التساؤل على هذه الكيفية فلاجدوى من الحوار معه لأنه جاهل معاند أو مكابر سواء كان مائلاً لهذا أو ذاك ، ومثله من يرى تأجيل إبراز مخاطر المشروعين أو أحدهما على الكليات في ظل ما هو واقع من كليهما .
الثاني :- أيُّهما أشد تأثيراً من الناحية الاستشرافية المستقبلية ، ؟ هل هو المشروع الصهههيوني الذي سيقود المنطقة حتماً حال تسلطه إلى مربع التطبيع ، والنفوذ والهيمنة اليهههودية مسنودة بالصليبيية العالمية ؟ أم هو المشروع الصفوي الرافضي الإيراني الطموح بتصدير الثورة الى العالم وعلى وجه الخصوص العالم العربي عبر زراعة المليشيات التابعة له كما فعل في سوريا ولبنان والعراق واليمن وما زال يسعى و يتوعد باسقاط المزيد من البلدان ، طمعاً في توسيع نفوذه في المنطقه وفرض رؤيته الطائفية وعقائده الباطلة ومشاريعه التخريبيه ، وأطماعه الفارسية .
الثالث :- ماهي أبرز الفوارق بين هذين المشروعين وما ينبغي أن يكون حاضراً عند التقييم ومعرفة الأولويات والمواقف منها ومن ذلك :-
1- يتقدم المشروع الصهههيوني على الصفوي من حيث قوة النفوذ والإسناد إذ تقف خلفه الصليبية العالمية وجميع أدواتها وهذا ما يجعله يحتل المرتبة الأولى في الخطورة من حيث إمكاناته وسطوته ودائرة نفوذه وبخاصة لدى صانعي القرار السياسي في المنطقة .
2- يتقدم المشروع الصفوي الإيراني على الصهههيوني من حيث خداعه ونفاقه والتباس أمره على كثير من المسلمين فهو بالمحصلة سرطان داخلي ينهش وينخر في الأمة من داخلها والتحرز منه ليس بالسهل وقد اغترّ به لفيف من النخب السياسية والدينية ، فضلاً عن الدهماء وجماهير كثيرة من المثقفين والإعلاميين الذين لم يدركوا أغوار وخطورة المشروع الصفوي النفاقي ، وبخاصة الذين لا ينتمون جغرافياً إلى مناطق واقعة تحت النفوذ الإيراني المباشر وأذرعته ، فتأتي مواقفهم ناعمة ومتماهية مع التطبيع الصفوي والترويج له ، أو التطبيل لمشروع ما يسمى محور الممانعة ، ومثلهم الذين يفتقدون الثقافة الشرعية المتعمقة حول تاريخ الطوائف وعقائد الشيعة الجعفرية الإمامية المتنفذة في عموم الأذرعة الإيرانية كحزب الله ، مع خلط كثير من الناس بين الطوائف الشيعية ودرجات مخالفاتها وانحرافها .
ويتصل بذلك ضحايا المفتونين سياسياً وإعلامياً بالشعارات الإيرانية الخمينية حول القدس والقضية الفلسطينية المتجذرة في الوجدان الإسلامي ، فقد أتقن ملالي طهران ودهاقنة الشيعة ، إيقاع اللعب على وتيرة الأقصى وفلسطين ، منذ قيام الثورة الخمينية كسياسة براغماتية ، للخروج من العزلة واختراق الدول السنية ومجتمعاتها وأجادوا فنون الترويج بجدارة لهذه التجارة عبر تحالفهم مع حركتي حماس والجهاد مستغلين حالات الفراغ والعجز ، والخذلان العربي والإسلامي في التعاطي مع قضية فلسطين المركزية .
3- يتقدم المشروع الصفوي على الصhيوني من جهة إحداثه شروخاً طائفية وهي مهارة يجيدون حبكها وفي كثير من الأحيان يتحولون إلى الأداة التمزيقية للمشروع الصههيوني القائم على ضرب وتصدع المسلمين من داخلهم وقد نجح الييههود إلى حد كبير في تمزيق وحدة المسلمين وزراعة الشقاق من خلال التخادم مع المشروع الرافضي الصفوي حيثما حلّ وبهذا يكون من هذه الحيثية أكثر خطورة وأشد فتكاً وأسوأ عاقبةً ومآلاً .
وختاماً :-
بالنظر الى تأريخ المسلمين ، وربطه بواقعنا المعاصر يمكن الوصول إلى تحديد الأولويات عند تزاحم الخصوم ،
أ :- سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
فالثابت من سيرته ، أنه قدم جهاد الخوارج على غيرهم رغم المخاطر المحدقة في ذلك الوقت إلا أنه قدر ومعه طائفة كبيرة من الصحابة وأئمة التابعين تقديم مخاطر التلبس بالضلالة – ذات الشوكة الممتنعة – وأدرك ومن معه خطورة التوجه لمقارعة أعداء الأمه من خارجها في ظل وجود التآمر الداخلي ، ومن المعلوم أنّ علياً رضي الله عنه لم يقاتل الخوارج لمجرد بدعتهم رغم شناعتها ، وأنما قاتلهم لأنهم سفكوا الدم الحرام وأغاروا على أموال المسلمين وكفروهم ، وأصبحوا طائفة ممتنعة فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم ، وهو ما تفعله اليوم عموم المليشيات الشيعية المسلحة من التمرد في بلاد المسلمين فالنظر هنا إلى قبيح أفعالهم وشناعة جناياتهم لا لمجرد انحرافاتهم العقدية وإن كانت هي المولدة لأحقادهم وضغاينهم لكنها ليست الأصل في دفعهم وقتالهم كما فعل علي مع الخوارج .
ب:- صلاح الدين الأيوبي – رحمه الله –
وحينما سقط المسجد الاقصى بأيدي الصليبين كانت الفرق الباطنية تعيث في الأرض فساداً من العبيديين والقرامطة والفاطميين وغيرهم من الفرق الباطنية ، وقد أدرك القائد صلاح الدين الأيوبي وقبله محمود نور الدين زنكي استحالة تحرير المسجد الأقصى في ظل عبث الفرق الشيعية الباطنية فما كان منه إلا أن سعى إلى كسر شوكتهم والقضاء عليهم ، وقال مقالته المشهورة وقد قيل له “تقاتل الشيعة الرافضة ، وتترك الروم الصليبيين يحتلون القدس ؟
فأجاب: “لا أقاتل الصليبيين و ظهري مكشوف للشيعة ، فقضى على مجاميع الرافضة في مصر أولاً ثم وحد الجيوش لتحريرالقدس حتى تسنى له فتح بيت المقدس وإعادته إلى المسلمين.
وبالنظر إلى المنهج القرآني لتحديد الخصوم ومعرفة أشدهم خطورة وضرراً يتجلى لنا الحديث المتكرر عن ثلاث طوائف من الخصوم :-
1- اليهـ و د ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ) وتشتد عداوتهم في عصرنا الحاضر بما أوتوا من التمكين والإمداد وهي بلاشك فترة زمنية فرضتها هشاشة الأنظمة العربية ، مع ضعف مقاومة الشعوب ، التي تقاد تحت سطوتهم إلى التطبيع والقبول باستعلائهم علواً كبيراً ولا ريب أن ما يجري من الدمار والوحشية في فلسطين وغزة وغيرها يأتي في سياق التمهيد للقبول بذلك .
2- الذين أشركوا ، وتحت هذا طوائف كثيرة بعضها لا ينتمي إلى الإسلام ، وآخرون ينتمون إليه ، ويخالفونه في أصول الدين والتوحيد ومنهم الشيعة الغلاة من الاثني عشرية الجعفرية وفرق الباطنية ،
3- المنافقون ، وهم طوائف شتى يجمعهم الانتماء إلى الإسلام شكلاً وظاهراً مع عداوتهم للمؤمنين وقد فصل القرآن في ضغائنهم وأحقادهم ، لما هم عليه من التلبيس والتخفي والمراوغة ، كما هو شأن كثير من طوائف الرفض كماذكر كثير من العلماء ومنهم ابن تيمية وغيره .
والنفاق من حيث الخطورة يحتل المرتبة الأولى من بين الفئات المناوئة للإسلام إذ يقول عنهم سبحانه ( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ) بهذه الصيغة والجملة الاسمية الخبرية الموحية بالحصر ، وأخبر عنهم سبحانه ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ) وفي ذلك توجيه قرآني إلى أعطاء العدو المتستر أولوية في التحرز منه وكشف مخططاته ومواجهته ومجاهدته بما يحد من شروره ومكائده ، وقد ينتقم الله من ظالمٍ بمثله أو بأظلم منه كما قال سبحانه ( وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾
وفيها تفسيران .
1- نولي بعضهم بعضاً من الولاية وهي النصرة ، والمحبة ، والتعاون في ما بينهم
2- نولي أي نسلط بعضهم على بعض ، فيسلط الله على الظالم من هو ظالم مثله أو أظلم منه ، وقد تكون عقوبة لمكر أراده لغيره فأوقعه الله في شر صنيعه ( وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ)
فإن قدر وكفي المسلمون بهلاك الظالمين ، والمناوئين للإسلام بعضهم ببعض فذلك من رحمة الله ولطفه وأقداره الخفية التي تستوجب المزيد من الشكر لله وسؤاله صرف شرور الأعداء عن المسلمين وجعل كيدهم في نحورهم .
( فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ۚ وَٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ )
( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مستشار رئيس الجمهورية
رئيس الهيئة العليا لحزب الرشاد اليمني
نائب رئيس هيئة علما اليمن