مقالات

وقفة مع (فضائل الصحابة ، بين المنهج العلمي ، والتوظيف السياسي )

الرشادبرس_مقال

بقلم / د.محمد بن موسى العامري

تابعت حوارات هذه المساحة ، للدكتور مروان الغفوري ، مع طائفة من الأساتذة والمثقفين ، وطلبت المشاركة فلم تتيسر ،ربما لخلل فني أو غيره ، وملخص ما كنت سأقوله لا بأس من تسجيله هنا:-

أولا :- يفترض في الحوارت أن تكون هناك أرضيةً مشتركة ، بين المتحاورين ، فالحوار بين أهل الإسلام له منطلقاته وقواعده وفي مقدمة ذلك التسليم المطلق للوحي ، وجعله حاكماً ومرجعاً في ذلك ، { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }
بخلاف الحوار مع غير المسلمين ، فذاك أيضاً له منطلقاته وقواعده ، التي تختلف جذرياً عن النوع الأول، وما يكرره الغفوري من الإصرار على تحييد الدين والمقررات الإيمانية وإهمال نصوص الفضائل ،بذريعة التجرد للعلمية البحته – حسب زعمه – كل ذلك بلاشك يجعل الحوار حول فضائل الصحابة ومناقبهم نوعاً من الهروب من جذور ومرتكزات التحاور ، إلى الهوامش الفرعية .

والمفترض عدم الذهاب للحوار حول مناقب الصحابة – علي رضي الله عنه أو غيره – إلا مع التسليم بقدسية النصوص الصحيحة الواردة ، مالم فيتعين الحوار من جنس آخر وليكن حول التسليم بنصوص الوحي والإيمان بها وقدسية نصوصها وعدم القبول بمناقشة قضايا مبنية عليها .

ثانيا :- الأصل الذي اختاره أئمة الإسلام، والمنقول عنهم، كابن عباس وعمر بن عبدالعزيز والسفيانين ومالك وابن أبي ذئب وبشر وأحمد بن حنبل وأبي زرعة وغيرهم هو الكف عما شجر بين الصحابة ، وعدم التنقيب عن مثالبهم قال شيخ الإسلام :{ كان من مذاهب أهل السنة الإمساك عن ما شجر بين الصحابة }، ونقل نحو ذلك في الفتاوى ، كما نقله غالب من دون في العقائد أو السير كالذهبي وابن بطة والأشعري والخطابي وابن الجوزي والخطيب البغدادي واللالكائي والبربهاري والصابوني والقرطبي والآجري والنووي وابن حجر ، وابن أبي زيد القيرواني وغيرهم ، وعد بعضهم مسالك الطعن في الصحابة نوعاً من الزندقة – وفاعل ذلك متهم على الإسلام ، كالإمام أبي زرعة – وأحمد بن حنبل، وغيرهم باعتبار ذلك سبيلاً لتجريح الشهود – نقلة القرآن والسنة إلينا – لما في جرحهم والعمل على إسقاطهم ، من الطعن في ما نقلوه من الوحي الذي يعجز الزنادقة عن البوح به صراحة فيلوذون إلى نقلته لتحقيق الغرض نفسه .

ثالثا :- نظرة السلف إلى خطورة التهوين من مكانة الصحابة نظرة ثاقبة ، مقاصدية تهدف إلى سد ذريعة تتابع إسقاطهم ، لأن من سوغ الطعن في علي رضي الله عنه داعٍ إلى تبرير الطعن في أبي بكر وعمر وغيرهم رضي الله عنهم كما تفعل الرافضة ، وفي سقوط مكانتهم هدم لرمزية الأمة وقدواتها وحملة دينها إذ المنقول من الآثار في ما وقع بين الصحابة :-

أ- منه ما هو مكذوب .

ب-ومنه مازيد فيه ونقص وغير عن وجهته .

ج- والصحيح منه ماهم معذورون فيه ، إما مجتهدون مصيبون ، وإما مجتهدون مخطئون ، ومنه ما تابوا منه وندموا عليه ، ولهم من السوابق والفضائل مايوجب مغفرة ماصدر منهم ، وقد أثنى الله عليهم وزكاهم مع سابق علمه في ما يكون منهم كما قال ذلك ابن عباس .

رابعا :- تبين لي من كلام الغفوري أن لديه عدة إشكالات منهجية ينبغي التوقف عندها لأنها كذلك من الآفات التي سرت عدواها إلى عدد لا بأس به من المحبطين من واقع المسلمين في العالم العربي عموماً ، وفي اليمن على وجه الخصوص ، ومنها :-

1- هزيمة حضارية :-

، وانكسارات نفسية تولدت عنده من انفتاحه على ما كتبه رواد النهضة الأوربية مع فقدانه ، لتأصيل العلوم الشرعية ، ووقوعه تحت تأثير الانبهار بالحضارة الغربية – بشقيها القيمي والمادي – ، فيحاول – عبثاً – محاكاة طليعة الثائرين في الغرب على الكنيسة ومتعلقاتها ورموزها الكهنوتية ظناً منه إمكانية نقل هذه التجربة إلى ساحة الإسلام ورموزه كما حصل مع الكنيسة ، وأحبارها ورهبانها ، وهو – بلاريب – مسبوق في هذه الإنتكاسات، بقائمة طويلة من الأذيال المفتونين بمعايير حضارة الغرب – بعجرها وبجرها – من الجاهلين أو المتجاهلين لحجم المفارقات ، بين دين الإسلام المحفوظ وأديان الكنيسة المحرفة .

2ـ حاطب ليل :-

وفي سعيه للنيل من الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه يستعمل منهجية ،،حطاب الليل ” الذين لا يعرفون ما يجمعون في أمتعتهم ! فالغفوري فاقد للحد الأدنى من علوم التحقيق في الروايات ، والمنقولات ، ويقوم بالتقميش ، ولايحسن التفتيش ، ثم يحلل بعد ذلك بناء ما حشى به جعبته بطريقة انتقائية من الروايات الموضوعة والمكذوبة بغرض إسقاط مكانة علي بن أبي طالب رضي الله عنه نكاية – حسب ظنه – بالحوثيين ومشروعهم !

ومما يدل على إفلاسه في علم النقل والروايات إشادته بوجود نسخة من القرآن في أحد المتاحف الغربية التي كتبت في العهد النبوي ووجدت مطابقة لما في أيدي الناس من المصاحف ، ويصور ذلك كأنه من الكنوز الثمينة ،التي أثبتت صحة المصاحف المتداولة ، ! وهو بهذه الإشادة – إذا أحسنا الظن – قد دلّل على ضحالة متناهية في علوم المنقول ، إن لم نقل إنها مهزلة علمية ومنهجية ، إذ القرآن منقول بالتواتر الذي لا ريب فيه جيلاً بعد جيل وكافةً عن كافة وهو أجل وأعظم من الاستشهاد على صحته وسلامته بمخطوطة في متحف ! .

3– هزيمة وطنية :-

لديه أيضا هزيمة وطنية أو محلية سببها فاشية المليشيا الحوثية ، وهي أزمة أو نكبة قد تأثر بتداعياتها كثير من الناس ، ما بين مقل ، ومستكثر، فالغفوري تطرف في آثارها ، إلى ذم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي عنه، والحسن والحسين وغيرهما ، بناءً على أن ذلك يساهم في الحد من غلواء أو كبح جماح الحوثيين ، ويحد من صنميةالتشيع لعلي بن أبي طالب ، وهناك تطرف أكثر تلبس به أفراد جاهروا بإلحادهم ، بسبب العجرفات الحوثية وتلبسها بضلالات التدين المغشوش والمتاجرة بالدين ، والسلاليات ونسبة أفعالهم الشنيعة وعصبيتهم المقيتة إلى الدين – وهو منهم براء ) وقد نبه السلف على أن البدع والمحدثات بريد الكفر والزندقات .

وآخرون اختاروا مسالك متعسفة في رد الروايات الواردة في القرابات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو التكلف والمراوغة المنهجية في تأويلها ، وزعم الغفوري أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد ذكر بعض هذه الفضائل على سبيل الأوسمة والمجاملات لابن عمه ، وهو طعن في أمانته الرسالية وجهل بالمناقب التي لا تنحصر في القرابات أو ذوي الشارات والوجاهات بل كثير منها وردت في ضعفاء من الصحابة وغرباء لا شوكة لهم كبلال وصهيب وخباب، وسلمان ، وعمار ، أومن عامة المهاجرين والأنصار ، وغيرهم ، من القبائل والبلدان.

وهناك من دفعتهم مجريات الجرائم الحوثية ، وعصبيتهم السلالية إلى ردود أفعال غير محكمة ولا متزنة أفقدتهم التوازن العلمي ، وجعلتهم يعرضون بنوايا بعض الصحابة من ذوي القرابات ، ويعتبرون ما صدر منهم ، كان بدوافع الصراعات على السلطة ، حملاً لهم على الأسوأ من المحامل دون افتراض الأحسن وبخاصة في حق من شهد له الرسول عليه الصلاة والسلام بالجنة كالحسين ونحوه رضي الله عنهم .

وجانب الصواب من ترحم على قاتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه زعماً منه أنه بذلك قد يحد من غلو تشيع الرافضة في علي رضي الله عنه، ويساهم في مواجهة المشروع الحو- ثيراني ، بينما حقيقة الأمر ومآله ، نبش مجادلات، لاطائل منها بين أهل السنة وفتنة كثير من الدهماء للاصطفاف مع الحوثيين في عدوانهم ، ودفعهم إلى المزيد من التخندق في باطلهم ، وخدمتهم في تأليب الناس وتحشيدهم ودفع أغرارهم وجهالهم ورفع معنوياتهم الانتقامية بحق الشعب اليمني كما أن أهل السنة قاطبة ، سلفاً وخلفاً ، قد قبحوا فعل الشقي ، البائس عبدالرحمن بن ملجم الخارجي قاتل علي رضي الله عنه واختلفوا في تكفيره على قولين مشهورين للسلف كما هو الحال في غلاة الخوارج المارقة .

4- يتبنى الغفوري وأمثاله مسألة غربلة الموروث وإعادة النظر في التراث المنقول وقد يوافقه على ذلك آخرون لكن بنوايا مختلفة.

فالغفوري ومن على شاكلته يتحدثون عن المروث الديني بغير منهجية علمية وقواعد حديثية وإنما – وفقاً – لقناعات ومقررات، عشعشت في رؤوسهم لا يرون إمكانية تمريرها إلا بنسف مايشتهون من التراث الإسلامي ، فيخبطون في ذلك خبط عشواء ، في ليلة ظلماء ، ما بين منكر للسنة النبوية بالكلية أو متجنٍ على كتب الحديث المتلقاه بالقبول بين المسلمين أو طاعن لحملة العلم والشريعة لأغراض وأجندات ذات أبعاد قيمية وحضارية .

غيرأن هناك طائفة أخرى حسنة المقاصد تتحدث عن غربلة الموروث ونخل التراث من زوايا علمية وقواعد موضوعية على غرار منهج المحققين من أهل الحديث ورواته الذين أسسوا قواعد الجرح والتعديل بمعايير دقيقة لقبول الروايات أو ردها.
والحال نفسه في جوانب الموروث الفقهي المذهبي وغربلة ما فيه من الآراء الشاذة والضعيفة المطّرحة أو المخالفة للإجماع ومثل هذا كتب السير والتواريخ وغيرها.

فمثل هذه التوجهات ذات المعايير العلمية هي من صميم حفظ الدين ، وتجديد معالمه ، والعمل على إبقائه نقيا صافيا بعيداً عن الأساطير والبدع والخرافات وغيرها التي وضعها الوضاعون في كثير من الكتب التراثية وهي معلومة لدى المتخصصين بهذا الشأن.

وهذا القسم يعد محمدة وتجديداً لمعالم الدين بخلاف القسم الأول فإنه مذموم بدايته وعاقبته ، فالأول هدم والثاني بناء وشتان ما بينهما .

وهنا يجدر التنبيه إلى خطورة التخادم الذي قد يقوم به أرباب المسار الثاني لأرباب المسار الأول المنحرف ، من جهة الموافقة الإجمالية ، أو التسليم المطلق ، الموحي بالتوافق ، وذلك كله يتطلب التجلية والتأكيد على الدوام على الفروق الجوهرية بين بين هذين النوعين من الغربلة للموروثات بتقرير وتحقيق ما هو المقبول والمردود

والله الهادي للصواب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى