يخشون أن تصيبهم دائرة !
بقلم /احمد عبدالملك المقرمي
بالرغم من أن وثيقة المدينة المنورة نظمت شؤون حياة كل ساكنيها بمن فيهم اليهود، إذ كفــــــــلت لــهم حريتهم الدينية و التجارية؛ إلا أن طبعهم المتأصل فيه الخسة و الغدر و نكث العهود أبى إلا أن يبرز بأقبح صور الغدر و نقض العهود.
كان أول من نقض عهد وثيقة المدينة من اليهود، و غـــــــدر بميثاقها قبيلة بني قينقاع.
وكان يهود بني قينقاع قبل الإسلام حلفاء لعبد الله بن أبي، كما كانوا في الزمن نفسه حلفاء لعبادة بن الصامت.
ليس من عادة اليهود و لا في طبعهم الحفاظ على عــهد أو ميثاق؛ لأن ديدنهم نكث العهود، و نقض المواثيق(فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع اللـــه عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا. وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما).
وجريا على طبعهم و طبيعتهم، و حقدهم و خستهم، غدروا بعهدهم مع رسول الله، و بالميثاق الذي واثقوا به الرسول عليه السلام بوثيقة المدينة الشهيرة التي كفلت لهم حريتهم الدينية و حريتهم التجارية التي هي أهم لديهم من كل شيئ.
لكن جريان الطبع الذميم في عروقهم عبر العصور و التاريخ أبى إلا أن يبرز بأقبح الصــــــــــور، فغدروا بالعــــهد و الوثيقة و الميثاق. إن غَضّ الطرف عن الغدر المـــــــدمّر، و التغاضي عن المكر المُبَيّت ضعف إرادة، و فقدان حــــــزم ، و خِفّة عقل؛ و لذا فإن الرسول عليه الصلاة والسلام الذي حذرهم عاقبة غدرهم، نبذ إليهم على سواء بحسم سريع، و حزم لا تردد فيه، فحاصرهم لينزل فيهم عاقبة غدرهم. أمام مثل هدا الحـــــزم و الحسم، و القوة التي تنهض لأداء دورها في الوقت اللازم ؛ يبرز النفاق عاريا غير مبال بسوءته المكشوفة، و عورته الظاهرة، فتجده و قد تخلّى عن رجـــولة كان يدّعيها، و مواقف كان يزعمها، و مبادئ تظاهـــر بها ؛ فلما ظهرت الحاجة لتفعيلها، و جاء أوان الأخذ بها، ألفيت حقيقته غير ما كان يبدي، و أفعاله غير التي كان يُظــهر، فتسقط عنه كل ورق كان يحجب بها العـــورة، و يستر بها السوءة، فيعــلن انحيازه اللئيم و الموقف السقيم، مُعَللا موقفه المهين: نخشى أن تصيبنا دائرة ..!! ذلك كان موقف عبدالله بن أبي و المسلمون يحاصرون غدر يهود بني قينقاع. يهتف ابن أُبي جهارا، و يتخذ موقفا علنا: يا محمد أحسن في مَوَاليَّ ..!! ويح بني قينقاع، ماتزال تتناسل بغدرها و مكرها و حــقدها و خستها، و نقض عهودها و مواثيقها، و ويحـــــك يا ابن أبي؛ ماذا ابتدعت من بدعة سوداء خبيثة، بنذالة الطَّوِيُة، و ســوء النية؟ هكذا ؟ دفاعا ظاهرا عن غـــــــدر اليهود؟ و موالاة مكشوفة عارية لخستهم و إجرامهم و عدوانهم؟ تخشى أن تصـــــــــيبك دائرة، فتولٌِي وجهك شطر الكنيست، و تدير ظهرك للأقصى؟ تنزع يدك من يد عـــــمر، و أبي عبيدة، و صلاح الدين،و عبد القادر الحسيني،و ياســـــــر عرفات، و لا تخجل من أن تضعها في يد حيي بن أخطب و شارون و بيجن و موشيه ديان؟ ويحك يا ابن أبي ! أي سابقة سيئة سَبَقْتَ إليها، و أي سُنة خبيثة سننتها !!؟ لقد سهّلت الطريق لأمثالك ممن ياتي بعدك، فَبُؤ بسوء السبق، و نذالة الموقف. و إذا كان ابن أُبي قد باء بالخــــــزي يوم بني قينقاع، و نال الذل و العــــــــار ، و قـــــــدم صـورة الهـــــــــوان القبيح، فإن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قد وقف الموقف الذي يُجسّد الشموخ، و الإباء، و مواقف العزة و الكرامة. لله درك عــــــبادة بن الصامت، لقد رسمت الطريق الحق لكل المؤمنين، وكنت القدوة لكل الأحــــــرار ، و لقنت ابن أُبى درسا في العزة و اليقين و الثقة؛ إنه درس يقف شامخا واضحا أمام كل من توسوس له نفسه أن يسلك طريق ابن أُبي، في أي زمان و في اي مكان، فيما هناك كلمات عبادة تُدَوّي معلنا: أنه باللــه، و لله، و لا يخشى الدوائر ، معلنا انحيازه لله و رسوله. سقط ابن أبي و هو يترجّى، و يتلعثم وجلا، يا محمد: أحسن في موالي، إني امرؤ أخشى الدوائر . و سما عبادة بن الصامت شامخا باذخا؛ بمنطق المؤمن الحر ، قائلا : أمّا أنـا فأتولّى اللــه و رسوله. كيف تاهت عقلية عبدالله بن أبي؟ فذهبت تخبط في الظلمة و الظلام، و كيف قيدته حسابات الربح و الخســــــــارة؟ فعمي بصرا و بصيرة عن نور المبادئ، و وَهَج ضياء المواقف. كيف أُشْرِب حب من أُشربوا حب العجــل، و تنكــــــر لعروبته كعربي، ناهيك عن تنكره للحق المبين، و الرسول الأمين. إنها الخيبة و الخسارة، و الهوان، إذا ما كانت هناك مـــواقف تخشى على نفســـها الدوائر، بسبب حسابات الوهم و الأنانية، فيما غــــــزة بأطفالها و نسائها، و فتيانها و رجـــــــالها، يقفون بشموخ الإيمان وكبرياء الثقة بالله في وجه أطغى طغاة العالم و أدواتهم القذرة، قتلة الأنبياء.